د.عامر مشموشي:
أزمة تأليف الحكومة التي استهلكت، حتى الآن، قرابة أربعة أشهر من عمر اللبنانيين، وسط استمرارها في استنزاف رصيد عهد العماد ميشال عون، إلى متى ستستمر في ظل انعدام أي مؤشر إيجابي على صعيد مواقف الكتل النيابية والمسؤولين المباشرين، من الرئيس المكلف الذي تقع عليه بحكم الدستور مسؤولية التأليف، إلى رئيس الجمهورية المعني بحكم الدستور أيضاً بهذه المسألة.
المشهد السياسي بعد هذه المدة الطويلة نسبة إلى الحاجة الملحة لانطلاقة العهد أولاً ولدقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة ثانياً، ولمتطلبات لبنان تجاه الدول المانحة ثالثاً ولمواجهة تحديات أزمة النازحين السوريين التي تقبض على لبنان بشكل خاص، يعطي انطباعاً بأن أزمة التأليف ما زالت تراوح مكانها، اي انها ما زالت تدور في المربع الأوّل بالنسبة إلى العقد السياسية الموضوعة في طريقها والتي تحول دون الولادة الطبيعية ولا حتى القيصرية.
فلا تبدّل أو تغيير في موقف التيار الوطني الحر الذي ما زال يتمسك بالحصول على أكثرية حصة المسيحيين في الحكومة بما يتجاوز حدود الثلث المعطل الذي لا يرضى به الرئيس المكلف حتى لا يُعيد تجربة حكومته الأولى التي اسقطها تحالف التيار الوطني الحر فيما كان هو على أبواب البيت الأبيض يستعد للاجتماع مع رئيس الولايات المتحدة الأميركية للبحث معه في ما يُفيد الجمهورية اللبنانية، ويحصنها من التحديات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط. فما هي الأسباب التي تجعل التيار الوطني الحر، الذي يفترض به بحكم كونه الذراع السياسي لرئيس الجمهورية، يتمسك بشروطه التعجيزية التي تطيل عمر أزمة التأليف ويفوت على العهد فرصة طالما انتظرها لانطلاقته، وتحقيق الإنجازات التي تسجّل له في ملف رؤساء الجمهورية الذين تعاقبوا على حكم هذا البلد على مدى أكثر من سبعين عاماً.
إن أية قراءة متأنية للمسار الذي يتخذه التيار الوطني الحر في مسألة تأليف الحكومة يدل على ان التيار يُصرّ على الاستئثار بالسلطة من خلال القبض على السلطة الاجرائية الممثلة بالحكومة ويرفض التنازل عن هذا الحق بصرف النظر عن النتائج الكارثية التي تترتب عن كل يوم تأخير في تأليف الحكومة، الأمر الذي أدى إلى الاصطدام مع الرئيس المكلف الذي يتطلع إلى حكومة متوازنة تشارك فيها كل القوى السياسية على قدر حجمها السياسي، الأمر الذي أدى إلى تصادم المصالح بينه وبين التيار والاتجاه السياسي الذي يمثله في البلاد، وقد بدأ هذا التصادم يظهر في الحملة المبرمجة على الرئيس المكلف والتي تتهمه بالتقصير في القيام بمهماته للتسريع في تأليف الحكومة، وكأنها خطة مبرمجة لاحراجه تمهيداً لإخراجه أو استبداله برئيس مكلف آخر يستجيب لمتطلبات التيار الوطني الحر ورئيسه التي تنحصر بالاستئثار بالسلطة الاجرائية، أي بالحكومة التي اناط بها دستور الطائف سلطة إدارة دفة الحكم في البلاد. ومن المغالطات الكبيرة ان يُتهم أحد من الفريق المواجه للتيار الوطني الحر بأنه يتعمد عرقلة تشكيل الحكومة لغاية في نفس يعقوب، وفق ما تُركّز عليه وسائل الإعلام المقربة من التيار الوطني الحر، وهذا التعنت من جانب التيار ورئيسه أدى إلى هذه الأزمة التي لا يُمكن الخروج منها إلا في حالة واحدة وهي تراجع التيار ورئيسه عن طموحاته السلطوية التفردية، والقبول بحكومة متوازنة وطنياً تتولى إدارة دفة الحكم على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.