تستعيد الحياة السياسية في 7 أيار رونقها بعدما أدّت الانتخابات، وهذا أمر طبيعي، إلى تغييب الملفات السياسية لمصلحة الحملات التعبوية، والمرحلة الأولى التي ستلي الانتخابات ستكون غنيةً جداً بالملفات، من إعادة انتخاب الرئيس نبيه بري رئيساً لمجلس النواب وحجم الأصوات التي سينالها وما سيكون عليه موقف «التيار الوطني الحر» تحديداً والرئيس ميشال عون خصوصاً، إلى إعادة تكليف الرئيس السعد الحريري وحجم الأصوات التي سينالها أيضاً في ظلّ الفتور بين الثنائي بري والنائب وليد جنبلاط مع الحريري، وحرص الدكتور سمير جعجع على الاتّفاق مع الحريري على المرحلة المقبلة لجهة طريقة إدارة الدولة والالتزام الروحي والحرفي بسياسة «النأي بالنفس» التي تشكل الضمان الوحيد لتجنيب لبنان المغامرات والكوارث، وصولاً إلى تأليف الحكومة وتعقيدات التأليف على مستوى التوازنات و«الفيتوات» والأطماع والأحجام، ناهيك عن البيان الوزاري والتوليفة التي سيتمّ اعتمادُها للعناوين الخلافية، ولكنّ كلّ ذلك يرتبط في نهاية المطاف بالنّيات التي ما إذا كانت إيجابية فكل هذا المسار يمرّ بمرونة وسلاسة، وفي حال كانت سلبية يعني أنّ التعقيد سيكون سيّدَ الموقف.
فالأنظار تتركّز إلى ما بعد 7 أيار وما يمكن أن تحمله المرحلة الجديدة من اصطفافات وتموضعات وعناوين، خصوصاً أنّ الحريري عبّر بوضوح عن تحالفه «الوثيق جداً» مع الرئيس ميشال عون والذي يرتقي إلى المصاف الاستراتيجي وله الأولوية في المرحلة المقبلة، بقوله: «علاقتنا مع فخامة الرئيس ميشال عون مميّزة، وهذا ما يهمّني. وقد قلتُ سابقاً لفخامة الرئيس: أنظر إلى هذا الزمن، بتنا وإياكم حلفاء ونسوّق لبعضنا البعض. وأنا أرى أنّ هذا التوافق الذي تمكنّا من التوصل إليه هو لمصلحة البلد وحمايته والحفاظ على اعتداله.ولكي نواصل مسيرة الشهيد رفيق الحريري، لا بد من الحفاظ على هذا التوافق».
فالحريري يكشف للمرة الأولى عن عمق تحالفه مع عون إلى درجة ربطه الحفاظ على هذا التحالف بمواصلة مسيرة الشهيد الحريري، وبالتالي هذا خطاب غير مسبوق، ويتجاوز اللحظة الانتخابية، إذ كان في استطاعته الاكتفاء بالتحالف الانتخابي والدعوة إلى الالتزام باللائحة من دون الربط بمسيرة رفيق الحريري التي كان عون واستطراداً الوزير جبران باسيل ضدها في كل المراحل والأوقات، علماً أنّ هناك مَن وضع تشديد الحريري على ضرورة الالتزام بإعطاء الصوت التفضيلي لصديقه باسيل في خانة الخشية الجدّية من عدم الالتزام بفعل عدم تقبّل الشارع السنّي لباسيل.
وليس سرّاً أنّ الثنائية الجديدة ستكون أحد عناوين المرحلة المقبلة وتوازناتها، خصوصاً أنّ أكثر من فريق سياسي بدأ يحذّر من هذه الثنائية ويعبّر علناً عن هذا الحذر، وتحديداً بري وجنبلاط، ويُحكى في الكواليس السياسية أنه على رغم أنّ القاعدة التوافقية تحكم الاتّجاهَ العام لقرارات مجلس الوزراء، إلّا أنّ التأليف سيخضع لميزان «جوهرجي» تجنّباً لمواجهات ومفاجآت.
وإذا كانت كل الأنظار بدأت تتركّز على مرحلة ما بعد 6 أيار وطنياً ونيابياً وحكومياً وسياسياً، فإنّ الانتخابات وما بعدها لم ولن تستطيع أن تحجبَ التطوّرات الإقليمية المتصاعدة على خطين أساسيَّين: واشنطن – طهران، وتل أبيب – طهران، خصوصاً أنّ المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية هي أوّل مواجهة من نوعها بنحو مباشر على الأرض السورية، فيما كانت في المرحلة السابقة مواجهة مع الميليشيات الإيرانية، وهذا تطوّر كبير جداً.
وفيما كانت طهران توعّدت بالرد على استهداف مواقعها في مطار «تي. فور» وعلى لسان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله تحديداً والذي قال حرفياً «ما قبل قصف الـ»تي. فور» غير ما بعده»، وأنّ «إسرائيل ستندم على فعلتها»، بادرت تل أبيب مجدّداً إلى استهداف مواقع عسكرية سورية – إيرانية قرب حماه وحلب أدّت إلى وقوع قتلى بينهم من الحرس الثوري الإيراني، وتدمير مخازن عسكرية بينها صواريخ أرض – أرض.
فتحوّل المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية إلى مواجهة مباشرة ليس مسألة تفصيلية، ويستحيل عدم توقّع انتقالها من الأرض السورية إلى الأرض الإيرانية والإسرائيلية، ولكن لا يبدو حتى اللحظة أنّ طهران في وارد الرد والتصعيد، خصوصاً أنها على يقين من أنّ هناك محاولة لجرِّها إلى حرب لا تريدها، فضلاً عن أنّ إيران تتجنّب المواجهات المباشرة وتفضِّل المواجهة عن طريق العصابات والميليشيات انطلاقاً من اعتباراتٍ عدة ومن بينها أنّ المواجهة الكلاسيكية قد تفضي إلى هزيمتها، فيما غير الكلاسيكية تخرج منها إسرائيل مهزومة.
وما يجدر التوقف عنده أنّ حجة «حزب الله» الأساسية لعدم تسليم سلاحه للدولة اللبنانية أنّ هذه الدولة عاجزة عن مواجهة إسرائيل بسبب افتقادها نوعيّة السلاح والقدرة على تلك المواجهة، وبالتالي السؤال الذي يطرح نفسه: هل طهران تفتقد إلى نوعية السلاح وإلى القدرة المطلوبة لمواجهة إسرائيل؟ والكلام عن طهران يعني الكلام عن الدولة الأم والمركز والمحرّك لكل الأذرع الإيرانية في المنطقة. وكل ما يسوَّق من حجج تتصل بالتوقيت المناسب للرد وغيرها لا يخرج عن سياق الحجج المعهودة، لأنّ القصف يُردّ عليه بقصف من العيار نفسه ونقطة في آخر السطر.
والقصد من هذا الكلام القول انّ نظرية توازن الرعب وهمٌ وغيرُ قائمة على أرض الواقع، وانّ الذكاء هو في تجنُّب الحروب لا الانزلاق إليها، وانّ حماية لبنان لم ولن تكون عن طريق «حزب الله»، إنما عن طريق التفاف اللبنانيين حول دولتهم والتمسّك بالشرعية الدولية، فلبنان، كل لبنان، يقف صفاً واحداً خلف الجيش اللبناني، فيما «حزب الله» يشكّل انقساماً وطنياً عمودياً بين مَن هو ضد مصادرته لقرار الدولة واستباحته للسيادة، ومَن هو مع دوره وسلاحه على حساب الدولة اللبنانية.
وفي أيّ حال من الواضح أنّ المنطقة دخلت في جملة مواعيد مفصلية تبدأ من خروج واشنطن من الاتفاق النووي في 12 أيار، ولا تنتهي بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وما بينهما وجود قرار أميركي – إسرائيلي يتمّ الحديث عنه علنيّة بإخراج الحرس الثوري و»حزب الله» من سوريا في ظلّ غضّ نظر روسي، علماً أنّ القرار شيء، والتنفيذ شيء مختلف تماماً.
ففي كل هذا الجوّ الدقيق والخطير والمحموم يذهب اللبنانيون بعد غد الأحد إلى الانتخابات النيابية، ويدخل لبنان في السابع من أيار في توازنات جديدة وورشة تكليف وتأليف وانطلاقة متجدّدة، والتحدّي الأساس بالنسبة إلى جميع اللبنانيين يبقى في تجنيب لبنان الحرب والويلات.