إنضَبط الواقع السياسي اعتباراً من ظهر أمس، على إيقاع العاصفة الانتخابية التي هبَّت من عين التينة، وأحدثت دويّاً كبيراً ومفاجئاً للوسط السياسي الذي غرقَ في إرباك تجلّى في الهروب من إبداء مواقف واضحة من اقتراح بري، وفي سحابةٍ كثيفة من علامات الاستفهام حوله، وحول السر الكامن خلف إطلاقه في هذا التوقيت بالذات، وما إذا كان جدّياً أو مناورة سياسية أو قنبلة صوتية أراد بري إلقاءَها على المسرح السياسي كتعبير اعتراضي على المنحى الذي تدير فيه بعضُ أطراف السلطة التنفيذية الأمور، أو بالوناً اختبارياً لنيّات القوى السياسية كلّها ربطاً بالاستحقاق الانتخابي؟
وما بين مؤيّد للاقتراح، ومشكّك فيه، ومتهرّب من إبداء موقف حوله، ومحرَج في كيفية مقاربته، استغرَبت عين التينة محاولة السؤال عن جدّية هذا الاقتراح، ذلك أنّ الجدّية تتحدّث عن نفسها في متنِه، وكذلك في نزول بري بشخصِه لتلاوة اقتراح قانون تقصير الولاية الممدّدة وتقريب موعد إجراء الانتخابات، وذلك لإضفاء مزيد من الجدّية على الامر، علماً أنّ رئيس المجلس مهَّد لهذا الاقتراح منذ مدّة من خلال المواقف التي أدلى بها أخيراً، وصبّت كلّها في هذا الاتجاه، وقرَنها برفضه المسبَق لأيّ فكرة أو طرح يُشتمّ منه رائحة تمديد للمجلس، وقال صراحةً في مقابل هذا الأمر إنّ هذا التمديد إنْ حصَل سيفتح بابَ الانقلاب عليه.
وبحسب أجواء عين التينة، فإنّ اقتراح بري لم يُطرَح من باب المناورة أو المزايدة، بل من باب الموضوعية والمصلحة الوطينة، وبالتالي هو نهائي ولا رجعة عنه، وسلكَ مسارَه في اتّجاه تسجيله في قلم المجلس النيابي، وطالما إنّ مضمونه أعلِن، فهذا يعني أنّ الكرة أصبَحت في ملعب القوى السياسية الممثّلة في المجلس والتي يفترض أن تستجيب، خصوصاً وأنها في غالبيتها نادت برفض التمديد، فضلاً عن أنّ هذا الاقتراح ليس تعجيزياً ولا ينطوي من قريب أو بعيد على أيّ محاولة لتحدّي أيّ طرف، واعتباره كذلك غير واقعي على الإطلاق، لأنه مِن ألِفه إلى يائه يشكّل فرصةً لإعادة تصويب مسار البلد في اتّجاه إعادة تأسيس بيتِه السياسي وبعثِ الحيوية فيه عبر الانتخابات النيابية.
خصوصاً وأنّ الصورة الداخلية من الآن ولغاية نهاية ولاية المجلس الحالي في أيار 2018، لا تشي بما يمكن اعتباره تطوّراً نوعياً مختلفاً عمّا هو سائد اليوم، ما يعني أنّ البلد من الآن وحتى أيار سيكون أمام وضعٍ انتظاريّ لا أكثر، لذلك فإنّ اقتراح بري هو فرصة للإفادة من الوقت وإجراء الاستحقاق النيابي سريعاً وعدم تضييعه في انتظار أشهرٍ بلا أيّ فائدة.
وادرجَت بعض المقاربات السياسية اقتراحَ بري في سياق محاولةٍ لخلطِ الأوراق الداخلية، وسألت هل إنّ رئيس المجلس نسّقَ هذا الاقتراح ومفاعيله مع كلّ من الرئيس عون ورئيس الحكومة سعد الحريري؟ فيما اعتبَرت اوساط برّي بأنّ هذا التساؤل ليس في مكانه على الإطلاق.
وإذا كانت عين التينة تنظر بعين التفاؤل الى مصير الاقتراح مع أرجحية درسِه وإقراره في الجلسة التشريعية التالية للجلسة التشريعية التي سيعقدها المجلس اليوم وغداً، وخصوصاً أنّ رئيس المجلس وضعَ كلّ ثِقله فيه، فإنّ اوساطاً سياسية مختلفة مع بري سياسياً، تعتبر أنّ الاقتراح يحمل فتيلَ سقوطِه بنفسه، وخصوصاً لجهة عامل الوقت، إذ إنه يَحشر القوى السياسية في فترة زمنية قصيرة لإجراء الانتخابات في ثلاثة أشهر.
ويوضح قريبون من بري بأنّ الوقت المتبقّي لإجراء الانتخابات ربطاً بالاقتراح المقدّم، هو 3 أشهر حتى آخر 31 كانون الاوّل، وهذه المدّة كافية لإجراء الانتخابات، خصوصاً أنّ كلّ القوى جاهزة أصلاً للاستحقاق منذ الفترة التي سبَقت إعداد القانون، وهذه هيئة الإشراف على الانتخابات قد تشكّلت، ثمّ إنّ وزارة الداخلية لطالما قالت إنّها على جهوزية تامة لإجراء الانتخابات، فضلاً عن أنّ النص الدستوري يَعتبر هذا الفترة كافية لإجرائها، بدليل أنّه نصَّ على فترة الـ3 أشهر في المادة 25 المتعلقة بحلّ المجلس، ما يعني أنّنا لسنا أمام حالٍ اسمُه ضيقُ الوقت.
وكان بري قد تلا اقتراحَه في كلمة ألقاها بعد اجتماع كتلة «التحرير والتنمية»، وقال: «إلتزاما بروح القانون الذي يفرض إجراءَ الانتخابات بأسرع فرصة نتقدّم باقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل المادة 41 من القانون 44 فتنتهي ولاية مجلس النواب الحالي في آخر العام هذا، أي في 31 كانون الاوّل، على أن تجري الانتخابات قبل هذا التاريخ».
أضاف: «تبنّيت موضوع التمديد عندما كان هناك مبرّر لكن اليوم لم يعد هناك مبرّر، ونحن نتقدّم بمشروع قانون لتقليص ولاية مجلس النواب، واقتراح القانون الذي تقدّمت به سيقدَّم في الجلسة المقبلة وليس جلسة الغد».
“الجمهورية”