يقول وزير بارز إنّ الجيش اللبناني سيستكمل مهمة اجتثاث الخلايا اﻹرهابية، بعد ضرب رأسها في جرود رأس بعلبك – القاع، ﻷنّ اﻹرهابيين لن يوقفوا محاولات التخريب الداخلية، في محاولة منهم للحدّ من مفاعيل العملية التي تمّ تنفيذها في الجرود. ولن تكون المهمة التكميلية أقلّ أهميةً من المعركة الجارية حالياً.
ففي الأشهر واﻷسابيع اﻷخيرة، ضبط الجيش بالتنسيق مع الأجهزة اﻷمنية، كوادر من خلايا إرهابية في مناطق مختلفة، يعتبرون أنهم قادرون على إيجاد أوكار تحميهم، ومنها مخيمات النازحين السوريين والمخيمات الفلسطينية وبعض المناطق اللبنانية التي ربما يعتقد بعضهم أنهم يحظون فيها ببيئة حاضنة، أو أنهم حظوا بهذه البيئة في مراحل معينة.
فمخيمات النازحين في جرود عرسال تبيَّن أنها كانت ملجأ لمئات الإرهابيين، وقد تمّ استغلالها أيضاً لتخزين أسلحة وذخائر تم اكتشافها أخيراً. وكان هؤﻻء اﻹرهابيون يطمحون إلى استغلال هذه المخيمات خلال معركتهم مع «حزب الله»، بالدخول إليها وتوريطها في المواجهة.
وكان في اعتقاد اﻹرهابيين أنّ هذا التغلغل في مخيمات النازحين سيشكل عبئاً على «الحزب». ففي هذه الحال، هو لن يتحمّل حجم الخسائر المحتملة في صفوف المدنيين، وسترتفع اﻷصوات في الداخل والخارج مطالبة إيّاه بوقف المعركة.
لكنّ مسار معركة عرسال كان مختلفاً، فقد وجدت «النصرة» نفسها عاجزة عن استكمال المواجهة وتنفيذ المخطط، خصوصاً بعدما تلقّت تعليمات من القوى الخارجية التي ترعاها بعقد صفقة التبادل ووقف القتال مع «الحزب» ﻷنّ هناك قراراً إقليمياً – دولياً بخروجها من المنطقة.
وفي تقدير المطّلعين أنّ التهديدات التي أطلقها كوادر «النصرة»، ولا سيما منهم «أبو مالك التلّي»، بالردّ على عملية عرسال، لا أهمية تنفيذية لها- مبدئياً- ﻷنّ هؤﻻء سُحِب منهم الترخيص اﻹقليمي الذي يسمح لهم بأي عملية تخريبية في لبنان. ويأتي ذلك في ضوء تفاهم دولي- إقليمي على عدم تعريض اﻻستقرار اللبناني ﻷي اهتزاز.
ولكن، على رغم ذلك، لا يمكن الركون تماماً إلى التطمينات الخارجية. ويبقى هناك مقدار من الخوف من عمليات انتقام تقوم بها «النصرة» في الداخل، ﻷنّ أحداً لا يمكنه تحديد ما يملك هذا التنظيم من أوراق صالحة للاستخدام. لكنّ الخوف اﻷكبر يبقى من جانب «داعش» الذي يبدو مُستعصياً إدراك الخطوات التي سيعتمدها، بسبب غموض طبيعته وعدم القدرة على تحديد معرفة القوى اﻹقليمية أو الدولية التي ترعاه.
فمع تنفيذ الجيش عمليته، قد تتحرك خلايا «النصرة» و»داعش» في الداخل للتخريب.
وتضع اﻷجهزة اﻷمنية نصب أعينها إمكان استخدام اﻹرهابيين مخيمات النازحين. ويعتقد الوزير البارز أنّ كل هذه المخيمات تحتضن مقادير معينة من الاستعداد للعنف، يقوم الإرهابيون باستثمارها.
كما أنّ المخيمات الفلسطينية قد تستخدم منصات تحرّك وانطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل اللبناني. وفي هذا اﻹطار، يبدو اﻷخطر مخيم عين الحلوة الذي يشهد غلياناً إرهابياً في اﻷشهر اﻷخيرة عبّرت عنه المواجهة الفلسطينية – الفلسطينية اﻷخيرة.
فبعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس اﻷخيرة للبنان، تحركت القوى المتضررة من أمن المخيم. وظهر أنّ الفصائل الفلسطينية اﻷساسية لا تمتلك القدرة على الحسم هناك. كذلك رفض الجانب اللبناني عرضاً فلسطينياً هو اﻷول من نوعه لدخول المخيم والحسم ضد اﻹرهابيين، ﻷنه تهيَّب حجم المعركة وأكلافها المحتملة.
ومنذ ذلك الحين، يقوم الجيش واﻷجهزة اللبنانية برصد داخل المخيم بـ»الريموت كونترول»، أي عبر اللجنة الفلسطينية المعنية بأمن المخيم، والتي تزوِّد الجانب اللبناني تقارير متلاحقة حول المجريات. إلّا أنّ أحياء من المخيم تبقى عصيّة على السيطرة، ويلجأ إليها إرهابيون سوريون وفلسطينيون ولبنانيون ومن جنسيات أخرى، ومنهم متهمون بعمليات ومطلوبون للعدالة في لبنان.
التقارير الواردة إلى الجيش واﻷجهزة اﻷمنية اللبنانية تحذّر من عمليات قد يقوم بها اﻹرهابيون، خلال تنفيذ الجيش عمليته في الجرود أو بعدها، في محاولة لتشتيت قوة الجيش وإثبات القدرة على التخريب في مناطق لبنانية عدة.
وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم قد كشف في النبطية، قبل أيام، أنّ المدينة نجت من كارثة كان يحضّر لها اﻹرهابيون، بعدما تمكّن جهاز اﻷمن العام من فضحها وإحباطها. وأكد أنّ المبادرة إلى مواجهة اﻹرهابيين، مهما كانت مُكلفة، تبقى أقل كلفة من انتظارهم ليقوموا بعمليات التخريب.
إذاً، معركة الداخل لإحباط أي مفاجأة إرهابية ستكون موازية لمعركة اقتلاع أوكار اﻹرهابيين في الجرود، بل هي جزء أساسي مكمّل لها، وهي تحتاج إلى مقدار من الجهد لا يقل حجماً وأهمية. ويبدو الداخل اللبناني مطمئناً في هذه المواجهة، ﻷنّ الجيش اللبناني أثبت قدرات خارقة في مواجهة اﻹرهابيين، على مدى سنوات، تفوق قدرات جيوش إقليمية أكبر.
كما أنّ اﻷجهزة اللبنانية استطاعت حتى اليوم إحباط عمليات تخريبية كثيرة، بدعم معلوماتي من أجهزة عالمية فاعلة، فيما دول عدة تمتلك إمكانات هائلة تعاني مصاعب أكبر في المواجهة مع اﻹرهاب.