شهد لبنان أمس «ملحمة اغترابية» مؤثّرة تخلّلها توقيع أوّل مرسوم لاستعادة الجنسية اللبنانية، واختصرت شعار «اللبنانية» الذي أطلقه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل منذ العام 2014 كعنوان معبِّر ومختصر ودائم لمواسم مؤتمرات الطاقة الاغترابية، فيما زهّرَت مواسم تلك الجولات الاغترابية في أيار من هذا العام، وكان حصادها أكثر من 1900 طاقة لبنانية قدِمت إلى بلدها الأم من أقاصي الأرض متلهّفةً للمشارَكة في غلّة المواسم، ولاحتضان تراب الوطن والأقارب والأحبّة.مِن «البيال» القاعدة الشاهدة على التاريخ وأمجاد لبنان، ومِن منابرها التي احتضَنت الزعماء من لبنان والعالم، ومِن مختلف الأطياف، تحارُ من أين تبدأ !. ففي كلّ ركنٍ وفي كلّ زاوية من أروقة «البيال» يجتمع اثنان أو أكثر، ومنهم مَن تفضَحه دموعُه فنسارع لنصورها، ومنهم من يَلفتك أنينُه ولهفته، فتحارُ مجدّداً مع مَن ومِن أين تبدأ!
فالجميع يريد الكلام والبوحَ بما في صدره من وجعٍ وشوق وحبّ وعتَب، والجميع يريد سَرد قصصِ نضاله في الغربة وتوصيفَ وجعِه وسروره بالتفاصيل، والكلّ يقول إنّه جاء ليخبرّ قصّته ويشهد! والحقيقة التي لمسناها أنّ «الكلّ بيحرز» أن يكون مادةً دسمة وسبقاً صحافياً يليق به النشر.
لم نعرف من أين نبدأ فعلاً، فشخصيات الانتشار اللبناني، سياسية وإعلامية واجتماعية ورياضية، أتت من كلّ حدبٍ وصوب، في عرسٍ اغترابيّ جَماعي أنسى السياسيين الحاضرين ليومٍ كامل همومَ الساعة الضاغطة ودقّةَ الوضع الراهن في الزمن الانتخابي الداهم.
والبارز في مؤتمر 2017 هو الرعاية الرئاسية بحضور رئيس البلاد العماد ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري للمرّة الأولى مؤتمر الطاقة الاغترابية، وبعد كلمة رئيس الجمهورية ووزير الخارجية، كان لـ«الجمهورية» جولة على بعض الدبلوماسيين والوجوه الاقتصادية والاغترابية التي علّقت على نجاح المؤتمر، معتبرةً أنّ «نسبة القادمين إليه تتزايد سنوياً، وهو مؤشّر لنجاحه المستمر.
الأمر الذي يَعتبره رجل الأعمال جوزيف عساف القادم من أستراليا إنجازاً عظيماً للبنان، موضحاً أنّنا نشعر بطاقة القدرات الاغترابية المتزايدة وهي تُترجَم اليوم من حيث كثافة المشاركة أو عدد الدول الحاضرة.
المستشار الشخصي لعضو الكونغرس الأميركي دنكان هنتر للشؤون الخارجية في الشرق الأوسط أنطوان بريدي وهو مستشار لجان عدة في الكونغرس الأميركي أيضاً، قال لـ«الجمهورية» إنّه ينتظر بحماس حلولَ السَنة المقبلة التي سينعقد فيها المؤتمر في لاس فيغاس، مشيراً إلى أنّهم مِن مواقعهم يضغطون لتمويل الجيش اللبناني بالسلاح، كاشفاً عن أنّ الأسلحة التي وصَلت إلى الجيش اللبناني كانت عن طريق مساعيهم، لأنّ الكونغرس هو مَن يوقّع في البدء عليها، بما فيها الدعوة التي وصَلت إلى قائد الجيش في واشنطن.
وأكّد أنّ المساعدات لن تتوقّف قط، بل ستزيد، وهو من موقعه يسعى لتقدّم الدولة الأميركية أسلحةً أكثرَ تطوّراً للجيش، وحتى لو اعترضَت دولة إسرائيل على الأمر، ونحن نقول للكونغرس إنّنا نخوض حربَكم في لبنان، ومن المعيب أن لا تساعدوا جيشَنا، خصوصا أنّ سلامة أرض لبنان تحمي الداخل الأميركي.
وعن اللبناني توماس باراك، قال بريدي إنه في الحقيقة يملك ثروةً تضاهي ثروة الرئيس الاميركي دونالد ترامب نفسه، كما أنّ باراك يعكس صورةً مشعّة وغنية للبنان، فيما اللبنانيون في أميركا يفتخرون به وبأصوله، وهو الذي موَّل حفلَ التدشين للرئيس الأميركي، حتى إنّ الرئيس عرضَ عليه وزارةَ الخزانة الأميركية، إلّا أنّه رفضَها بسبب أشغاله الكثيرة، لافتاً إلى أنّ رأيه مسموع بسبب الصداقة المتينة التي تربطه بترامب الذي لا يملك حتى الساعة استراتيجيةً واضحة بالنسبة إلى لبنان، لأنّه يجهل الأرضية اللبنانية.
وأشار برَيدي إلى أنّ «الكونغرس هو صوتُ الشعب، ونحن نعمل لإسماعه صوتَنا فيتأثّر بآرائنا وينقلَها للرئيس، ونرى أنّه من واجبنا أن نؤثّر من مكان معيّن، وطالبَ بجسمٍ ديبلوماسي منظّم في أميركا «لأنّنا نفتقد هذا الجسم، فاللبنانيون يَعملون هناك بصفة فردية، ونحن نريد استباقَ الأمور قبل أن تأتي المصائبُ إلينا».
وعن الحصار الاقتصادي الذي طوّقَ لبنان، قال برَيدي إنه لو عملنا على استباقِه لَما كان ليَحصل.
فادي الزوقي
رَجل الأعمال ورئيس غرفة الصناعة والتجارة في استراليا فادي الزوقي، قال إنّها «المرّة الثانية التي يحضر فيها المؤتمرَ في لبنان، كاشفاً أنّ لديه مشاريعَ كثيرة يتفاوض عليها مع بعض المستشفيات والجامعات في لبنان، بالإضافة إلى مشاريع أخرى يتمّ التفاوض فيها حالياً مع المؤسسة العسكرية، وتحديداً الجيش اللبناني، والأمور سائرة بمنحى جدّي وجيّد.
بالرغم من محاولتي وصفَ مشهدٍ مؤثّر يَصلح خاتمةً لتقريري عن هذا العرس اللبناني الجامع والمظاهرةِ الاغترابية، غير أنّني عجزتُ عن الكتابة، فالقلم مهما استفحل لن يلامس الرؤية أو الإحساس أو يتمكّن من احتضان العيون، عيونِ هؤلاء المغتربين وأصواتهم وعناقِهم وأنينهم ووجعِهم وعتَبِهم وحبِّهم وشوقِهم وأحلامِهم. وتمنّيتُ لو حضرَ جميع أبناء وطني هذا «العرس المتميّز» وشاهدوا بأمّ العين وشهدوا.
عون: تحوَّلنا بلداً يُصدِّر أبناءه بدلاً من أن يصدِّر إنتاجه
إفتُتح مؤتمر الطاقة الإغترابية اللّبنانيّة في دورته الرّابعة تحت عنوان: «طريق العودة الى الوطن» برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وحضوره إضافة الى رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل وحشد من الشخصيات.
واستُهلت الكلمات بكلمة للمرشح الرئاسي في جمهورية الدومينيكان لويس ابي نادر الذي طلب من جميع المتحدّرين من اصل لبناني «زيارة لبنان للتعرّف الى هذا البلد الجميل».
من جهته، أكد عضو الكونغرس الأميركي السابق نيك رحال أنّ «الولايات المتحدة قادت الى جانب التحالف الدولي التحرك لمساعدة لبنان في خضم ازمة النازحين»، مجدداً دعم أميركا لسيادة لبنان وحريته واستقلاله.
أما سائق «الفورمولا وان» في البرازيل فيليبي نصر، فاعتبر أنّ وجوده للمرة الاولى في لبنان يعود به الى 63 عاماً مضت حين قرّر والده الهجرة الى البرازيل، وإذ استطاع أن يكون من بين أفضل 24 سائق «فورمولا وان» في العالم، فإنّ شعوره بالفخر لأنه لبناني الاصل لم يفارقه.
وقالت وزيرة خارجية مدغشقر بياتريس عطالله، التي ترأس مؤتمر الوزراء الفرنكوفونيين، إنها تتحدّر من بلدة بطمة الشوفية، واعتبرت أنّ «الهدف الرئيس من المؤتمر هو تقويم روابطنا القوية التي تجمعنا وتتيح ديناميكية جديدة قادرة على تخطي كل الحدود».
باسيل
بدوره، قال باسيل: «حقُّكم علينا هو أكثر من امكانية للتصويت في الخارج وهي صعبة لا تُسهَل إلّا باعتماد المراسلة أو الـe-voting، بل حقّكم بنواب ممثِّلينَ عنكم في الخارج، وها نحن نقاتل من اجل قانون انتخاب يتضمّن ستة مقاعد لتمثيلكم بواحد عن كلّ قارة.
حقّكم علينا ثالثاً هو اكثرُ من أن نملأ شواغر بعثاتنا ونؤمّن ملحقين اقتصاديّين وثقافيين في بعضها كما طلَبنا أخيراً من مجلس الوزراء، بل حقكم بقناصل فخريين في كلِّ مدينة تتواجدون فيها، وها نحنُ افتتَحنا السلسلَةَ، بتوقيع اول مرسوم في هذا العهد لقنصل لبنانيّ في برانكيّا- كولومبيا».
ورأى أنّ «حقّكم علينا هو أكثر من وحدة الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم وها نحن نهيّئ قانون «المجلس الوطني للاغتراب»، تأكيداً لعدم وصاية الدولة اللبنانية عليكم. وحقكم علينا هو أكثر من مؤتمر سنويّ للـ LDE في لبنان».
وسأل: «هل يقبل العماد عون بأقل من تلك الحقوق لمن انتشر في سبيل حريته ونجاحه ووطنه؟ هل تقبلون بأقل من هذا الحق عليكم لوطن اعطاكم فرادة في تكوينكم وفي شخصيتكم وفي طاقتكم؟ هل تقبلون ان يحل في وطنكم جار او شقيق، مكان ابنكم وابن جينكم؟ مكان من حمل عنكم عذابات الهجرة لتبقوا انتم؟».
عون
واختُتمت الجلسة الافتتاحية بكلمة لعون الذي شدّد على أنّ «تاريخ لبنان مع الهجرة طويل ومؤلم، ففي كل بيت ابن أو أخ أو قريب غائب، يفتقده الأهل والأشقاء، تفتقده المناسبات العائلية والأعياد، ويكبر الصغار وهو بعيد. هي ضريبة عاطفية تدفعها عائلاتنا منذ أن تحوّلنا بلداً يصدِّر أبناءه بدلاً من أن يصدِّر إنتاجه».
وأوضح: «أن نسافر موقتاً، بحثاً عن تعليم أفضل أو فرصة عمل غير متاحة لنا هنا فهو أمر جيد، ولكن أن نهاجر بحثاً عن وطن جديد وهوية جديدة، فهذا ناقوس خطر يدقّ. فهل سألنا أنفسنا لماذا يسعى أبناؤنا الى وطن بديل؟ لماذا يضحّون بهويتهم ويتوسّلون هوية أخرى لا يربطهم بها شيء؟
لماذا يتحمّلون ألم فراق الأهل والأصدقاء وبيت الطفولة والحي والشارع؟ لماذا يتحمّلون مشقّات التأقلم في بيئة جديدة كل شيء فيها مختلف عنهم؟ يقيني أنه في الإجابات الصادقة عن هذه التساؤلات يبدأ بناء الدولة».
ولاحظ أنه «إذا كانت الأوضاع الاقتصادية قد دفعت بكم الى عالم الغربة، أو روح التمرّد والحرية التي انطبعتم عليها جعلت أرضكم تضيق بكم في عصور الظلم، فإنّ ارتباطكم بالوطن الأم لا يزال ملفتاً وعظيماً.
فأنتم وإن غبتم عن لبنان بالجسد فهو لم يغب أبداً عن قلوبكم. فأنتم في أساس اقتصاده ولكم اليد الطولى في رخاء عائلاتكم. أنتم مفخرة لوطنكم، وإنجازاتكم في كل أصقاع الأرض تروي سيركم، لقد أمّنتم التواصل والتقدّم الحضاري بين الشرق والغرب، فأصبحتم قلباً لغربٍ جاف وعقلاً لشرقٍ حالم.
وكما عليكم واجب الوفاء للدول التي احتضنتكم وقدمت لكم حياةً أفضل، وساهمتم بإعمارها وازدهارها، عليكم أيضاً واجب الوفاء للوطن الأم، وهذا الوطن يناديكم لتساهموا أيضاً بإعماره وازدهاره، وتأكدوا أنّ قلبه مفتوح لكم دائماً متى أردتم العودة، فالوطن لا يُبنى إلّا بسواعد أبنائه، وورشة البناء قد انطلقت، ويقيني أنّ زنودكم ستشارك في وضع المدماك الأول».
وانعقدت حلقة النقاش الاولى حول استعادة الجنسية تحت عنوان: «ديبلوماسية الانتشار في خدمة الجنسية: حالات واجراءات». وركزت الحلقة الثانية على إبراز دور شخصيات الانتشار اللبناني السياسية بمشاركة سبعين سياسياً.
واختَتم اليوم الأوّل بمنتدى اعلامي، استُحدث للمرة الاولى، أداره الوزير السابق الياس بوصعب، وتحدث فيه وزير الاعلام ملحم الرياشي، ورئيس تحرير صحيفة «الشرق الاوسط» غسان شربل، ورئيس مجلس إدارة «بوبليسيس ميديا» الكس صابر، ومدير عام الأقنية في «أم بي سي» علي جابر، ومدير الابحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية كريم بيطار.
(الجمهورية)