خلال نهايات الشهر الماضي زار وزير المصالحة الوطنية في الحكومة السورية الدكتور علي حيدر لبنان، والتقى نازحين سوريين وحضّهم على العودة الى قراهم ومدنهم في سوريا.
وسلّطت وسائل اعلام عربية واجنبية الضوء على الزيارة انطلاقاً من انها حملت مؤشرا جديدا تمثّل بعقد حيدر لقاء مع تجمّع للنازحين في بلدة صريفا جنوب لبنان. ولكن مصادر مطلعة على هذا الملف، أفادت «الجمهورية» أنّ زيارة حيدر ليست الأولى، بل سبقتها زيارات مماثلة خلال الاشهر الاخيرة من العام الماضي التقى خلالها بما يمكن تسميتهم بنازحين يعتبرون «فعاليات» داخل تجمعات النازحين، نظراً الى الدالة المعنوية التي يحظون بها داخل بيئة النزوح في لبنان.
وخلال هذه اللقاءات التي شملت نحو 13 فاعلية تمثّل تجمعات نازحين في البقاع خصوصاً وفي الجنوب، عرض حيدر إستعداد الدولة السورية لاستقبال من يرغب من النازحين بالعودة الى مناطق النظام التي اصبحت اكثر اتساعاً لناحية حجمها الجغرافي قياساً بالمساحات التي لا تزال المعارضة تسيطر عليها. وشرح لهم ايضاً الإمكانات المتوافرة للدولة السورية في مجال ايوائهم وتقديم الإغاثة لهم. وقدّم حيدر العرض نفسه خلال لقائه قبل نحو اسبوعين بنازحين في بلدة صريفا، وذلك ضمن ندوة نقاش عن إمكانات بدء عودة النازحين الى قراهم وبلداتهم، خصوصاً أولئك الذين نزحوا من مدينتي حلب وحماه.
واللافت في لقاءات حيدر انها شملت بيئات نازحة موالية للنظام وايضاً بيئات أخرى معارضة له، وفي كلتي الحالتين كان العرض لهؤلاء واحد، وهو دعوتهم للعودة الى سوريا.
وكشفت المصادر عينها لـ«الجمهورية» انّ لقاءات حيدر هذه، تندرج ضمن استراتيجية جديدة لتعاطي الدولة السورية مع مجمل ملف النازحين السوريين في دول الجوار، وخصوصاً في لبنان وبدرجة تالية في الاردن. وتقوم هذه الاستراتيجية في جانبها العملي على وجود تصور إحصائي لدى دمشق يفترض أنّ من اصل مليون وثمانمئة الف نازح موجودين في لبنان، في الإمكان تسهيل عودة نحو سبعماية الف منهم الى مدنهم وقراهم السورية، وذلك على مراحل قصيرة الأمد.
واضح أنّ مرحلة ما بعد «داعش» في سوريا التي تسمح بتزخيم فتح مسارات بدء العملية السياسية من خلال منصّتي جنيف وسوتشي، أدّت الى فتح ملف السباق على قيادة عملية عودة النازحين بين المحاور الدولية المنخرطة في الازمة السورية، وذلك انطلاقاً من هدف اساسي، وهو تنافس هذه القوى للسيطرة على الديموغرافيات السورية النازحة التي تشكل نحو خمسة ملايين ونصف مليون نسمة بحسب احصاءات الامم المتحدة، وسبعة ملايين نسمة بحسب آخر احصاء للدولة السورية، نظراً لأنّ نازحي سوريا حول العالم يشكلون ربع الكتلة الناخبة في سوريا، التي سيكون لقرارها الإنتخابي وزن ترجيحي في تسمية الرئيس السوري المقبل في الإنتخابات الرئاسية التي ستجري فور توافق السوريين على دستور جديد، يَتنطّح مؤتمر سوتشي لمحاولة صوغه وحمله الى مؤتمر جنيف المقبل لإقراره، ومن ثم ترحيله الى الأمم المتحدة لإسباغ شرعية دولية عليه.
وخلال الفترة الأخيرة حاولت الدولة السورية جس نبض إطلاق سياق عودة نازحين سوريين من مخيم الزعتري في الأردن، لكنّ هذه المحاولة ووجِهت برفض دولي، تمثّل بإقدام الهيئات الدولية التي تغيث نازحي هذا المخيم على سحب الأوراق الثبوتية من النازحين الذين أبدوا رغبة بالعودة، وذلك بهدف منع مغادرتهم المخيم الّا عبر خطة منسقة دولياً وبرعاية الأمم المتحدة.
ورغم انّ العقبات التي تواجه دمشق لتنفيذ خطة اعادة قسم كبير من نازحي لبنان في خلال عامين، تبدو هذه العقبات أقل من تلك الموجودة في الاردن وتركيا، الّا انّ هذا السياق لن يكون سلساً نظراً للمعطيات الآتية:
ـ أولاً، توجد حتى الآن رؤيتان داخل الحكومة اللبنانية لمقاربة ملف النازحين السوريين، الاولى يقودها الحريري الذي يقترح الحصول على مساعدات مالية دولية تشغيلية للقطاعات الاقتصادية اللبنانية تؤدي لرفع نسبة النمو في لبنان الى 6 في المئة، ما يجعل البنية التحتية والاقتصادية في البلد قادرة على تقديم حل مزدوج لمشكلات لبنان الاقتصادية واستيعاب النازحين في انتظار حل دولي لهم. والثانية يقترحها القصر الجمهوري وتتحدث عن عودة النازحين الآن. وخلال العام الماضي كان هناك توجّه لدى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتشكيل لجنة لبنانية رسمية عليا تهتم بفتح قناة تواصل مع الدولة السورية لتنسيق بدء إعادة النازحين، ولكن بروز محاذير داخلية ودولية في وجه هذه الخطوة دفعته الى تأجيل تشكيلها الى ما بعد الانتخابات النيابية المقبلة وتشكيل حكومة جديدة.
وتقوم فكرة العهد على انّ كلفة إغاثة النازح في سوريا هي اقل على المؤسسات الدولية المانحة من كلفة إعانته في لبنان، وطالما انّ حجم المعونات الدولية لإعانة النازحين السوريين هو في تناقص مسستمر، فإنه الافضل للبنان وللدول المانحة أن يتم ترتيب عودتهم الى المناطق الآمنة وصرف المعونات المتضائلة عليهم هناك.
ـ ثانياً، واشنطن ترفض تفرّد الدولة السورية بإعادة النازحين الى مناطقهم، وهي تصرّ على عملية إعادتهم من خلال الأمم المتحدة وضمن مدرجات التسوية السياسية السورية، وتقترح ايواءهم اولياً في مناطق سيطرة الأكراد التي تعتبر في الوقت نفسه مناطق وجود القواعد والنفوذ الاميركيين في سوريا، خصوصاً انّ بقاء اميركا في هذه المنطقة بات مرشحاً للإستمرار لمدة طويلة، وذلك بعد إعلان واشنطن أنها باقية في سوريا بعد مرحلة «داعش»، لضمان عدم عودة تنظيم «داعش» الى سوريا، وايضاً لمواكبة إنتاج العملية السياسية السورية والإشراف من موقع المؤثر على تطبيقها.
ناصر شرارة – الجمهورية