بدا لبنان، المغلوبُ على أمْره، وكأنّه يهوى الرقصَ فوق الصفيح الساخن عبر سياسةِ الإنكارِ لطبيعةِ المأزق الوطني المُتعاظِم وما يستولده من علاقاتٍ غير سويّة مع المجتمعيْن العربي والدولي، وأزماتٍ سياسية ومالية واقتصادية تتلاعب باستقراره… وهو المأزق الذي إما تتعثّر معه آلة الحُكم، وليس أدلّ على ذلك حالياً من تعليق عمل الحكومة منذ أكثر من أسبوعيْن، وإما تقتصر مقارباتُه على الهروبِ إلى الأمام على غرار موازنة الـ«كيْفما كان» لسنة 2019 التي تُلَمْلِمُ أشهرَها الأخيرة وباشَر البرلمان أمس مناقشتَها إيذاناً بإقرارها غداً، فيما العيْنُ في الداخل والخارج على الواقع المالي الذي يزداد خطرُ انهياره.
ولم يكن عابِراً تَحَوُّلُ وسط بيروت أمس، غابةً من إجراءاتٍ أمنيةٍ لحمايةِ جلساتِ الموازنة في البرلمان بعد انتشار «جيشِ المتقاعدين» من قدامى القوات المسلّحة الذين صَوَّروا تَحَرُّكَهُم الاعتراضي وكأنه بين «عسكر وحراميّة»، في اللحظةِ التي طَغَتْ خلف الكاميرات اتصالاتٌ في أروقةِ البرلمان حول إمكان عَقْدِ جلسةٍ ولو «خاطِفةٍ» ويتيمةٍ للحكومةِ لإقرارِ قطْعِ حسابٍ يتطلّبه إمرارُ موازنةِ 2019 من دون «عاهةٍ دستوريةٍ»، أو حول إيجادِ مخْرجٍ لُغوي كـ«بَدَلٍ عن ضائع» بما يعكسُ استمرارَ الكباشِ السياسي الكبير الذي يحْتجز الحكومةَ منذ الأحداث الدامية في عاليه في 30 يونيو الماضي.
ويشكّل هذا التَخَبُّطُ في إدارةِ الملفاتِ السياسيةِ والماليةِ التي تَسْتَرْهِنُ الواقعَ الداخلي استمراراً لسلوكِ اللاعبين المحليين الذين، إما أداروا الظهْرَ لـ «غليان المنطقة» عبر تَسْليمهم باحتكارِ «حزب الله» للإمْرة الاستراتيجية، وهو ما عاوَدَ أمينُه العام السيد حسن نصرالله التذكيرَ به في اطلالته الأخيرة عندما تَعَمَّدَ الإيحاءَ بأن «الأمرَ لي» في التموْضعِ الإقليمي للبنان كجزءٍ من المحور الإيراني، وإما من خلال إطْلاقهم العنانَ لصراعاتٍ على كعْكةِ السلطة وما تنطوي عليه من محاولاتٍ لتعديل التوازناتِ بالممارسةِ والأعرافِ على النحو الذي يضْمر رغبةً في الارتدادِ على اتفاق الطائف كـ «ناظِمٍ» للحياة السياسية والدستورية بعد الحرب.
ولم يكن هذا المناخُ السلبي بعيداً عن «الأسباب الموجبة» التي حَمَلَتْ رؤساءَ الحكومة السابقين، فؤاد السنيورة، تمام سلام ونجيب ميقاتي، إلى زيارة السعودية الاثنين، في مستهلّ جولةٍ عربية – خليجية، قال سلام لـ «الراي» إنه «يُراد لها أن تشملَ الكويت والإمارات ومصر ودولاً أخرى لتأكيد الروابط الراسخة مع الأشقاء العرب ووضْعهم في أجواء ما يواجهه لبنان من تحديات»، وخصوصاً بعدما أصبح لـ «الرؤساء الثلاثة» (للحكومة) حيثيةً سياسية – وطنية تؤسس لحِراكٍ داخلي – خارجي هَدَفُه التصدّي لأي اختلالاتٍ في الممارسة السياسية بعد مَظاهر الفوضى الدستورية، وتحصين موقع لبنان كشريكٍ في الشرعيتيْن العربية والدولية.
وعلمتْ «الراي» أن زيارةَ الثلاثي للسعودية لم تكن «بنت ساعتها» بل جرى التحضيرُ لها بعنايةٍ وتمّتْ بالتشاورِ مع رئيس الحكومة سعد الحريري في ضوء تَبَدُّلٍ في المزاجِ السياسي بَدَّد الانطباعَ بأن اعتراضَ رؤساء الحكومة السابقين على أداء أطراف في الحُكْم بعد التسوية السياسية (2016) من شأنه إزعاج الحريري والتشويش على خياراته، وجَعَلَ من حِراك الثلاثة «خطَ دفاعٍ» أمامياً عن اتفاق الطائف وتَوازُناتِه وصلاحيات المواقع الدستورية في البلاد.
ومن غير المُسْتَبْعَدِ في ضوء إيجابيةِ زيارةِ «الترويكا» لـ جدّة إطلاقُ دينامياتٍ سياسيةٍ جديدة في بيروت كان تمّ التداوُلُ بها في مَراحِلَ سابقةٍ وصارتْ أكثر إلحاحاً الآن في ضوء انكشافِ المأزقِ الوطني في البلاد على مزيدٍ من الأزمات، كتشكيلِ «مجلس حُكَماء» لصونِ اتفاق الطائف، كانت «الراي» تحدّثتْ عن محاولاتٍ لإبصاره النور في 2017، ومن المرجَّح أن يضمّ رؤساء جمهورية وبرلمان وحكومة سابقين، إضافة إلى شخصياتٍ سياسية مشهود لها، وخصوصاً مع تَزايُد الاقتناعِ بوجود محاولاتٍ حثيثةٍ لزجّ لبنان في أحلاف تتعارَض مع خياراته التاريخية كـ «تحالُف الأقليات» المُناقِض لهويّته والتزاماته.
وكَشَفَ سلام لـ «الراي» أن زيارةَ السعودية واللقاءَ مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز كانت «بالغة الإيجابية وكَرَّسَتْ معاودةَ الانفتاح السعودي على لبنان، وهو ما تَجَلّى في الأعداد الكبيرة من السياح السعوديين التي وصلتْ إلى ربوعنا أخيراً، والزيارةِ غير المسبوقة لوفدٍ من مجلس الشورى في المملكة إلى لبنان، والحفاوةٍ البالغة في الرياض التي حَظِيَ بها قائدُ الجيش اللبناني العماد جوزف عون».
وإذ رأى أنه «أَرَدْنا من هذه الزيارة التأكيد على الانتماء العربي للبنان وعلى تَمَسُّكنا بهويّتنا في ظلّ التحوّلاتِ الإقليميةِ الضاغطة»، لفت إلى «أن تَحَرُّكَنا يرْمي أيضاً إلى دعْمِ رئيسِ مجلس الوزراء سعد الحريري الذي يُكابِدُ تحدياتٍ كبيرة، وإلى صون اتفاق الطائف وردّ الاعتبار له في وجهِ محاولةِ إغْراق الحياة السياسية بأعراف وبِدَع، وحمايةِ المؤسسات، كل المؤسسات، كي تقوم بدورها في إطار انتظامِ عمل الدولة والاضطلاع بواجباتها».
وإذ لاحَظَ سلام «التعلّق الكبير للملك سلمان شخصياً بلبنان الذي ما زال في ذكرياته، وقد أبدى رغبةً في زيارة بلدنا الذي يعتبره المنتدى الأفضل في الوطن العربي»، تحدّث عن «أننا سمعنا من العاهل السعودي كلاماً واضحاً وحاسماً عن مدى التزامه بدعْم لبنان واستقراره والوفاق الوطني فيه والدور المُتوازن لكل طوائفه»، متوقّعاً أن تُترجَم توجيهاتُ خادم الحرمين الشريفين بـ «رزمةٍ من إجراءات الدعم للبنان يمكن بلْورتها بتوقيع عدد من الاتفاقات من خلال المجلس الاعلى اللبناني- السعودي الذي ربما ينعقد في السعودية».
ولم تتأخّر المفاعيلُ الإيجابيةُ للمناخ الجديد الذي رافَقَ زيارةَ رؤساء الحكومة السابقين لـ جدّة في البروز، إذ سجّلت السندات الحكومية اللبنانية المقوَّمة بالدولار أمس، ارتفاعاً بعد التقارير عن السعودية تستعدّ لدعم لبنان في ظل التحديات التي يواجهها اقتصاده وقد ذكرتْ «رويترز» أن إصدارات سندات 2024 و2025 و2027 ارتفعت بأكثر من 0.8 سنت للدولار «بعدما أشار 3 رؤساء وزراء سابقين إلى أن السعودية ربما تقدم دعماً جديداً للبنان المثقل بالديون».
إلى ذلك، ثمة مَن يرصد في بيروت إشاراتٍ إلى أن الحريري، الذي ما زال على تَمَسُّكِه بالتسوية السياسية مع شريكه في الحُكم (الرئيس ميشال عون) يُحاذِر الآن تقديم تضحياتٍ إضافية من شأنها كسْر قواعد اللعبة، كالتساهل في «الاستفراد» بزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط عبر إحالةِ ملف أحداث الجبل على المجلس العدلي كـ «تدبيرٍ انتقامي» لأسباب ربما ترتبط بتموْضعه الإقليمي. كما أنه يطلق إشاراتٍ إلى إنه لن يساوم على صلاحياته في أنه الوحيد الذي يدعو لانعقاد مجلس الوزراء ويضع جدول أعماله.
وبرلمانياً، أخطأت النائبة ستريدا جعجع في بداية مداخلتها في جلسة الموازنة العامة، بمنصب رئيس مجلس النواب نبيه بري، فقد توجهت إليه بالقول «رئيس مجلس الوزراء نبيه بري».
وقد تفاعل النواب مع خطأ ستريدا، وسارعوا إلى تصحيحه.
«مركز الملك سلمان» يدعم معاقين سوريين في لبنان
وقّع «مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» عقدا لتأمين الرعاية الصحية والطبية والدعم النفسي والاجتماعي لذوي الإعاقة من اللاجئين السوريين في لبنان، بقيمة تبلغ مليوناً و105 آلاف دولار، يستفيد منه 6 آلاف شخص.
ويشمل المشروع طرابلس في محافظة الشمال، وبلدتي مشحا وتكريت في محافظة عكار، والفاعوري في محافظة البقاع، والفنار في جبل لبنان، وكيان في محافظة الجنوب.
ويهدف لتهيئة المرافق الصحية وتوفير خدمات التشخيص والعلاج والأجهزة المساعدة التعويضية بالمجان لذوي الإعاقة.
كما يساعد المشروع المستفيدين من الوصول للخدمات الصحية والتأهيلية لمساعدتهم في الانخراط بالمجتمع المدني والحد من مضاعفات الإعاقة، وتعزيز نظام الإحالة مع التوعية والتثقيف الصحي وتدريب العاملين.
الراي