كتب شربل عازار
بحثت في كلّ الدول غير الدكتاتوريّة عن دستور تعطيلي لأعرف من أيِّ نَبعٍ غَرَفنا معاجمنا الدستوريّة فلم أجد نظاماً واحداً أو دستوراً واحداً في الكون تقوم فلسفته على تعطيل انتخاب رئيس البلاد في كلّ مرّة يشغر الموقع. أَنبحث في مذكّرات سعود الفيصل وصائب سلام ورفيق الحريري أم نسأل الأخضر الإبراهيمي وحسن الرفاعي وخالد قباني وبهيج طبّارة وغيرهم ممن ساهموا في وضع الاتفاق، ماذا قصدتم بكلّ المواد والفقرات الدستوريّة المعنيّة بانتخاب رئيس الجمهوريّة في اتفاقكم في الطائف؟
هل قصدتم انتخاب رئيس أم منع انتخابه؟ وهل كانت نيّكتم تكرار النقاشات وطاولات الحوار كلّ ست سنوات وكأنّ الطائف لم يكن؟ إنتخاب رئيس الجمهوريّة قبل خلوّ سدّة الرئاسة هو كما انتخاب رئيس المجلس النيابي وكما تكليف رئيس الحكومة وتشكيلها، من بديهيّات انتظام الدولة والمؤسسات وهو ليس اختصاص المسيحيّين حصراً، كما أنّ غير مواقع، ليست من اختصاص السنّة أو الشيعة أو الدروز أو باقي الطوائف.. نحن أبناء وطن واحد.. تعدّديّتنا هي مصدر ثروتنا وعلّة تميّزنا ولا يجوز أن تكون سبب تدميرنا..
كلُّنا مؤتمنون على كلِّنا. فهل يجوز أنْ يُطلَب من المرجعيّات الروحيّة خاصة المسيحيّة منها أن تتكبّد عناء جمع النواب المسيحيّين، وربّما غيرهم لاحقاً، من أجل البحث أو الحثّ على انتخاب رئيس البلاد الذي هو رأس الجمهوريّة ورأس الهرم، وبدونه تَسرح الخيل على كَيفِها، ويختلط حابل الحكومة المستقيلة بنابل المجلس النيابي، الذي وإن كان سيّد نفسه فهو لا يمكنه تخطّي الدساتير والمنطق والأعراف ولا يمكن إقفال أبوابه وإقفال جلساته في حالة الشغور الرئاسي قبل إنهاء عمليّة انتخاب الرئيس. بكركي والمرجعيّات الروحيّة المسيحيّة والإسلاميّة ليست المكان المناسب لاختيار رئيس الجمهوريّة ولا لتقريب وجهات النظر بين النواب، بل دورها توجيهيّ، تماماً كما ينادي غبطته في كلّ عظاته وبياناته أنّ عليكم أيها النواب، الى أيّ طائفة انتميتم، أنْ تدخلوا جميعكم الى قاعة البرلمان وأن لا تخرجوا منها وتبقوا فيها في دورات متتاليّة حتى يصعد الدخّان الأبيض ويُنتَخَب الرئيس العتيد، لأنّ صندوقة الاقتراع هي المكان الوحيد لإنتاج رأس الدولة. وكلُّ ما عدا ذلك إذلالٌ لَكُم واستقواء على شَعبِكم الذي بات يئنّ، وبكافة فئاته، تحت ثِقلِ العوزِ والإفقارِ وغياب الحدّ الأدنى لمقوّمات العيش الكريم من تعليم وسكن وطبابة واستشفاء، في ظلِّ تفلّتٍ استثنائيّ للأسعار وانهيارٍ دراماتيكي للعملةِ الوطنيّة، وضياعٍ، غير مسبوق بتاريخ البشريّة، لأموالِ المودعين ومدخّراتهم في جيوب الحاكمين والفاسدين والمهرّبين ومبيّضي الأموال. نكرّر القول أنّ مواقع المسؤولية في الدولة من أعلى الهرم الى أدناه ليست ملك طائفة المسؤول. فرئيس الجمهورية كما رئيسا الحكومة والمجلس، كما كلّ المواقع الوزاريّة والنيابيّة والقضائية والعسكريّة والأمنيّة والإداريّة، كلّهم يَحكمون ويُديرون بإسم جميعِ اللبنانيّين ولصالحِ جميع اللبنانيّين، هذا إن أردنا ان نبني وطناً لجميع أبنائه على كامل ترابه. لقد سَبَقَ وخُوِّنَ البطريرك صفير ومعه حزبا الكتائب والقوات والمستقلّون، خُوِّنوا من أبناء بيئتهم، لدفاعهم عن اتفاق الطائف وعن وحدة الوطن والشراكة بين جميع أبنائه.. نبحث اليوم عن الضنينين الآخرين باتفاق الطائف فلا نجدهم. هل يُدرك القيّمون الحاليّون على السلطة، أنّ حُكْمَ التاريخ لهم بالمرصاد ولن يتأخر بالصدور؟
المصدر: اللواء