فبعد ظهر الثلاثاء، أكد قايد صالح في خطاب متلفز على ضرورة تبني حل يندرج ضمن الإطار الدستوري ويكون مقبولا من كل الأطراف، مشیرا إلى المادة 102 المتعلقة بشغور منصب رئیس الجمھورية.
ولم تمر ساعات حتى انعقد المجلس الدستوري للنظر في طلب تفعيل المادة التي يطالب ملايين الجزائريين عبر حراك مستمر منذ 5 أسابيع بتفعيلها للانتقال إلى مرحلة جديدة من حكم الجزائر.
ويبدو أن قرار قائد الجيش الذي حظى بتأييد واسع قد شكل أرضية كبيرة لتكهنات بشأن احتمال أن يتقدم صالح في فترة ما كبديل لبوتفليقة بعد استيفاء المتطلبات القانونية.
خلع القبعة العسكرية
ويقول المحلل السياسي مروان الوناس إنه “إذا تخلى قايد صالح عن القبعة العسكرية ربما يكون مرشحا، هذا أمر ممكن جدا وغير مستبعد”.
ولفت إلى أن الجزائريين أنفسهم كانوا يتناقلون منذ فترة احتمالية تولي قايد صالح للرئاسة في مرحلة ما خلفا لبوتفليقة.
ويمهد إلى ذلك، بحسب الوناس، “الدور الذي يلعبه صالح الآن بفك الارتباط مع الجناح الرئاسي والدائرة المحيطة ببوتفليقة”.
لكن هناك أيضا من يرى في صالح جزءا من ذات الدائرة القريبة من الرئيس المريض.
ولا يرى المحلل السياسي إسماعيل معراف خلفية سياسية قوية لقائد الجيش تؤهله لتولي المنصب، ويعتبر أن الرجل العسكري في طريقه إلى التنحي من المنصب وأن ما وصفه بحلمه في خلافة بوتفليقة قد تبدد بسبب رفض الحراك الشعبي لكل الشخصيات الواردة من النظام.
لكن معراف يذكر أيضا بأن بوتفليقة كان قد طرح قايد صالح كنائب محتمل له عام 2012 عندما أصيب بوعكة صحية، وهو ما يجعل الحديث عن احتمال ترشحه في فترة مقبلة واقعيا إلى حد ما دون تجاهل أن “عقد الحكم انفرط وربما يتعذر معه تحقيق هذا السيناريو”.
ضامن للتغيير
ومع التباين في وجهات النظر بشأن الرجل القوي، يظهر توافقا عاما، بحسب الوناس، بشأن الدور الذي يمكن أن يقوم به صالح كـ”ضامن لعملية التغيير”.
ويقول المحلل السياسي:” سيلعب قايد صالح دورا في اختيار الرئيس المقبل عبر تقديم شخصية توافقية تحظى بدعم الجيش والمكونات السياسية والحراك الشعبي.. وسنعود إلى الدور التقليدي للجيش كصانع للرؤساء بعد أن حيد بوتفليقة المؤسسة العسكرية وحاول إضعافها سياسيا طيلة فترة حكمه”.
وبعد استقلال الجزائر، لعب الجيش طوال الوقت الدور الأساسي في اختيار الرؤساء، حتى أن الجنرالات هم من أتوا ببوتفليقة إلى السلطة، بحسب الوناس.
هل البدلاء جاهزون؟
لكن إذا لم يكن قايد صالح، فمن يمكن أن يتقدم من داخل النخبة الحاكمة لقيادة المشهد السياسي في مرحلة ما بعد بوتفليقة؟.
وبعدما صعد في بورصة التكهنات، أعلن رئيس الوزراء السابق مولود حمروش الذي لقب بمهندس الإصلاحات عن عدم رغبته في الترشح للرئاسة في أي انتخابات أو حتى أن يلعب دورا في المرحلة الانتقالية.
وجاء موقف رئيس الوزراء السابق بعدما اقترح الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير عمار سعداني أن يترشح حمروش رفقة عبد العزيز بلخادم وعبد المجيد تبون.
ويتمتع بلخادم البالغ من العمر 72 سنة، وشغل منصب الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني، بعلاقات واسعة داخل الحزب وخارجه، وخاصة مع ما يعرف بالتيار الإسلامي، لكنه يبقى أحد الوجوه شديدة الصلة ببوتفليقة مما يفقده القبول الشعبي.
أما تبون، البالغ من العمر 77 سنة، الذي شغل منصب رئيس الحكومة في مايو عام 2017 قبل أن يقال بعد شهرين فقط، بسبب إجراءات اتخذها تبون تخص الحد من استيراد العديد من المنتجات، مما أغضب رجال أعمال في دائرة بوتفليقة، بحسب تقارير صحفية آنذاك.
وينظر العديد من الجزائريين إلى التفاعل السريع من حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أكبر الأحزاب في الائتلاف الحاكم، مع طلب قائد الجيش بتفعيل المادة 102 من الدستور، على أنه محاولة للقفز من سفينة بوتفليقة الغارقة، ورمي طوق نجاة سياسي للأمين العام للحزب رئيس الوزراء السابق أحمد أويحيى الذي كان الساعد الأيمن المخلص لبوتفليقة لسنوات.
ويقول الوناس إن “كل الشخصيات المحيطة بالرجل المريض لن تحظى بأي قبول شعبي، ولن تنجح أي محاولة لإعادة تقديم نفسها مرة أخرى”.
حراك بلا قائد
وبينما تمتلئ الشوارع بملايين الجزائريين المحتجين، لم يستطع الحراك الشعبي تقديم شخصية قوية تمثله في مرحلة التغيير السياسي.
وطرح بعض الجزائريين المحامي الحقوقي مصطفى بوشاشي (65 عاما)، كونه يحظى بشعبية ما في الحراك.
وينتمي بوشاشي إلى حزب جبهة القوى الاشتراكية، وهو عضو مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وقد استقال عام 2012 من البرلمان.
لكن يبقى وزن بوشاشي السياسي رهين بمدى القبول الذي سيحظى به من جانب باقي المكونات السياسية ومؤسسات الدولة، وأيضا الانتماءات المتعددة داخل الحراك الشعبي الذي لا يزال يبحث عن رجل توافقي.