خديجة حكيم – الجمهورية
ما عاد في الإمكان العودة الى ما كان، ما عاد في الإمكان الحديث عن حقوق وخطوط باتت منذ الأمس في أدراج النسيان، رحلت وكأنها لم تكن يومًا في الحسبان، كيف لا وقد شارك الشعب في ما وصلنا إليه الآن برضوخه لممارسات السلطة السياسية في هذا الملف منذ العام 2007 حتى تاريخه من دون رقابة ولا حساب.
وما بين مُهلّل لـ»الإنجاز التاريخي» ونادِب حول «جنازة الترسيم» المنصوبة على طاولة المفاوضات في انتظار التوقيع، تبقى مسودة الاتفاق النهائية المعَنون باتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي هي الأمر الواقع الذي تفرض بنوده جملة أسئلة تنزف غاياتها وجعًا عند قراءة مضمونها.
فالقارئ لمسودة الاتفاق النهائية المسرّبة او المهربة في الاعلام والتي للأسف لم تصل الى طاولة التشريع الوطني، لا يستطيع ان يتجاهل المخاوف التي تَتلبس بنود هذا الاتفاق، والتي من شأنها ان تعطّل الغاية التي أطرقت بها آذاننا لتبرير إمراره، ألا وهي الإذن للبنان بالتنقيب عن النفط والغاز.
ومن هذه البنود: 1 – يعتبر هذا الاتفاق انّ حقل «قانا المحتمل» هو «حقلًا محتملًا» لكل من لبنان والعدو الاسرائيلي حصة فيه!! مما يعني ان هذا الحقل هو ليس ملكًا للدولة اللبنانية، أي أن معادلة حقل كاريش «الحقل المطور الجاهز للإنتاج» مقابل «حقل قانا المحتمل الوجود»، والتي هي في الأساس معادلة غير عادلة، هي معادلة ساقطة! فحقل «قانا المحتمل» هو «حقل محتمل» بين لبنان والعدو الاسرائيلي! 2 – لا تملك الدولة اللبنانية مالكة البلوك الرقم (9) حق إدخال شركة وطنية في تطوير حصتها في الحقل المحتمل في البلوك الرقم (9)!! بل ينبغي أن تكون الشركة المطورة للحقل المحتمل جهة البلوك الرقم (9) شركة دولية غير خاضعة لعقوبات دولية، يشترط فيها أن لا تعيق عملية التيسير المتواصلة التي تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية. أي بما معناه أن البلوك الرقم (9) أصبح منتقص السيادة اللبنانية لا تمتلك الدولة اللبنانية حق إدخال شركات وطنية تشارك في تطويره! وفي المقابل لم يلحظ هذا الاتفاق بندًا مماثلًا للعدو الاسرائيلي في البلوك الرقم (72) الذي يمتد فيه «الحقل المحتمل»! فلا يوجد في الاتفاق حظر لمنع استخدام شركة إسرائيلية في تطوير هذا الحقل في البلوك (72) كالمنع الذي فرض على لبنان في البلوك (9). فبأيّ منطق إنصافي تفهم هذه المعادلة. 3 – ربط بدء اعمال التنقيب في البلوك الرقم (9) بتوقيع هذا الاتفاق! متناسين أن بدء اعمال التنقيب في البلوك الرقم (9) هو رهن اتفاقية الاستكشاف والانتاج الموقعة بين الدولة اللبنانية مع تحالف المشغل «توتال»، ما يشكل تعطيلًا فعليًا لإنفاذ اتفاق قائم في البلوك الرقم (9) وتعليقه على شرط توقيع مسودة الاتفاق البحري مع العدو الإسرائيلي. 4 – ينص الاتفاق على ان العدو الاسرائيلي ومشغل البلوك الرقم (9) يخوضان فيما بينهما اتفاقًا ماليًا يتعلق بحصة العدو الاسرائيلي في الحصول على تعويض عن الحقوق العائدة له في «الحقل المحتمل» (أي حقل قانا الممتد من بلوك 9 اللبناني الى بلوك 72 الإسرائيلي)!! ما يؤكد مجددا الشراكة في «الحقل المحتمل» بين لبنان والعدو الإسرائيلي، وهو ما ينافي ما تم الاعلان عنه مسبقًا من قبل الدولة اللبنانية عن رفضها الشراكة في هذا الاطار. 5 – بل اكثر من ذلك، فقرار الاستثمار النهائي من قبل المشغل «توتال» في البلوك الرقم (9) مرتبط بأسبقية الوصول لاتفاق مالي مع العدو الاسرائيلي! اي ان قرار الاستثمار في البلوك الرقم (9) هو ليس رهن التنسيق مع الدولة اللبنانية التي أجازت للمشغل هذا الامتياز بالتنقيب بل هو رهن ارادة العدو الاسرائيلي في اتفاقه على حصته المالية مع المشغل، فبيده التعطيل او التأجيل او التيسير. 6 – تعد الولايات المتحدة الاميركية هي المرجع الصالح لِبَت أي خلاف يتعلق بتفسير هذا الاتفاق او تنفيذه، اي المرجع نفسه الذي سخر في الامس من تمسك الوفد اللبناني المفاوض بمتانة حُججه القانونية في ترسيم حدوده البحرية. هذا المرجع الذي اعلن معادلة واضحة منذ البداية الغلبة للأقوى وليس لصاحب الحق. 7 – بموجب هذا الاتفاق تنازل لبنان عن حق ترسيم حدوده البحرية وفق المنهجيات الدولية. فبتوقيعه هذا الاتفاق اعلن حصوله على حقوقه البحرية في شكل منصف ونهائي لا رجوع فيه أيّاً كان نتيجة تنفيذه وآليته. 8 – خط الترسيم للمنطقة الاقتصادية اللبنانية هو (23) يبدأ من البحر وليس من النقطة (B1) رأس الناقورة، الثابتة للبنان منذ العام 1923 باتفاق بوليه ـ نيوكومب، ما يشكّل تجسيدًا لسيادة العدو الإسرائيلي المؤقتة على خط العوامات إلى حين الوصول الى اتفاق بري بين لبنان والعدو الإسرائيلي.