جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / أزمة مرسوم الأقدميات تتفاقم… واستعدادات رئاسية لجولة إشتباك جديدة
عون - بري

أزمة مرسوم الأقدميات تتفاقم… واستعدادات رئاسية لجولة إشتباك جديدة

يدفع الجيش اللبناني مجدّداً ثمن الخلافات السياسيّة التي وصلت إلى أمور كانت تُعتبر حتى الأمس القريب جوهريّة، في وقتٍ لم تنفع كل المحاولات السابقة لإبقاء المؤسسة العسكريّة خارج دائرة الاشتباك الرئاسي. وفي حين تتمسّك كل من بعبدا وعين التينة بمواقفهما، تُطرَح أسئلة كبيرة عن الطريقة التي يكافَأ بها الجيش، فضبّاطه الذين لم توقَّع ترقياتهم، وهي حقّ مكتسَب لهم، حملوا أرواحَهم على أكفّهم وقاتلوا «داعش» والتنظيمات الإرهابية في جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال، وهؤلاء الضبّاط لم يأبهوا للخطر ولم يتردّدوا يوماً في خوض المعارك لحماية الحدود والداخل، كما أنّ عدداً من رفاقهم ارتقوا إلى مرتبة الشهداء.

واضحٌ أنّ أزمة مرسوم الأقدمية مستعصية، واللافت انعدام التواصل بين بعبدا وعين التينة باستثناء الاتصال اليتيم الذي جرى في عيد الميلاد بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري واقتصَر على مجاملات محدودة، فيما الاتصال لم ينقطع بين عين التينة وبيت الوسط، واشتغل الهاتف اكثر من مرة بين رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل، ونقطة البحث الاساسية كانت تطورات المرسوم. في وقتٍ تجمّدت حركة الاتصالات التي تولّاها بعض الوسطاء في مربّع العجز عن اختراق التصلّب في موقف الرئيسين ورفضهما التراجع.

توقيف الترقيات

واستولدت أزمة مرسوم الأقدمية أزمة جديدة على خط الرئاستين، وعلى الخطوط السياسية الأخرى، تتمثل بتوقيف العمل بمرسوم الترقيات للضبّاط التي يُفترض أن تسري اعتباراً من 1/1/2018، رغم توقيعها من وزير المال.

وقالت مصادر وزارة المال لـ«الجمهورية»: «لا توجد مشكلة على الإطلاق مع الجيش، ولن تكون هناك مشكلة. لقد وقّع وزير المال المرسوم الذي يتضمّن ترقيات للضبّاط من رتبة ملازم وحتى رتبة عقيد، ولكن خلال عملية التدقيق الإداري في الأسماء الواردة في مرسوم الترقيات، تبيّن أنّ هناك 6 أسماء لضبّاط (تردّد أنّهم برتبة مقدّم) واردة أسماؤهم في مرسوم الأقدميات الموقّع من الرئيسين عون والحريري ووزير الدفاع يعقوب الصرّاف، ومن دون توقيع وزير المال، وأدرِجت هذه الأسماء كمستفيدين من الأقدميات بناءً على المرسوم المختلف عليه، فأوقِف المرسوم الى حين سحبِ أسماء الضبّاط الستة منه.

والحال نفسُه بالنسبة الى المرسوم المتعلق بالترقية الى رتبة عميد، حيث تبيَّن في التدقيق الاداري الذي أجريَ في وزارة المال أنّ من بين المرشحين للترقية الى رتبة عميد 9 ضبّاط واردة أسماؤهم في مرسوم منح الأقدميات، لذلك اضطرّ وزير المال الى توقيف المرسوم في انتظار سحبِ اسماءِ هؤلاء الضبّاط من مرسوم الترقيات.

عون يردّ

وفي موازاة ذلك، كان البارز حديث الإعلام القريب من رئيس الجمهورية عن «المغالطات الميثاقية والدستورية والقانونية والإجرائية والواقعية التي تتوالى من قبَل عين التينة في قضية تتناول الجيش اللبناني»، وفنَّد «المغالطات»، كما يلي:

أوّلاً، قيل في عين التينة أنّ العماد عون كان قد تقدَّم باقتراح قانون، لإعطاء ضباط الجيش أقدمياتهم المستحقّة، فيما الحقيقة والوقائع تشير إلى أنّ رئيس تكتّل التغيير والإصلاح كان قد تقدَّم باقتراح قانون لتمديد المهَل القانونية التي تتيح لهؤلاء المراجعة القضائية لتحصيل حقوقهم الضائعة.

ثانياً، قيل في عين التينة أنّ الاقتراح سَقط في الهيئة العامة، فيما الحقيقة والوقائع تؤكد أنّ الاقتراح أحيلَ مِن قبَل رئيس المجلس إلى اللجان، بعد ورود ملاحظات عليه، لجهة إمكان أن يشمل آخرين، لا أن يحرم الضبّاط المعنيّين من حقوقهم.

ثالثاً، قيل في عين التينة أنّ الاقتراح لم يمرّ في اللجان، فيما الحقيقة والوقائع تؤكد أنّ ما حصل هو مجرّد تطيير للنصاب، لا تصويت على اقتراح الإنصاف.

رابعاً، ما لم تقُله عين التينة أنّ الاقتراح قدِّم سنة 2012، ولم يصل إلى الهيئة العامة إلّا سنة 2014 قبل أن ينام في الجوارير خمسة أعوام حتى اليوم، والجارور نفسه أضاف إليه وزير المال حقوقَ ضبّاط الجيش اللبناني كلّهم في الترقية، أي حقّ مئات الضبّاط في استحقاق عرَقهم ودمِهم وتضحياتهم، كلّها اتّسَع لها جارور وزارة المال المنتمية، علماً أنّ بين تلك التضحيات دماءَ عائدةً للشهيد البطل داني حرب، ابن دورة العام 1994 ودماء أخرى عائدة للشهيد البطل نور الدين الجمل، ابن دورة العام 1994 أيضاً، وأن بين الأسماء المطلوب شطبُها عن المرسوم المعرقل اليوم، قادة الأفواج التي حرّرت الجرود وحمت الحدود ودحرَت الوحوش، واستعادت السيادة واستردّت الكرامة، كلّها حشِرت في جارور ضيّق في الوزارة المنتمية. فهل يَسَع جارورٌ ما لم تَسَعهُ صُدورُ شعبٍ كامل في إحساسه بالفخر والنصر؟

بعبدا

وعكسَت دوائر قصر بعبدا لـ«الجمهورية» أسفَها «لاتّخاذ الأمور هذا المنحى التصعيدي لحرفِ الأنظار عن ضرورة إعادة الحقّ الى أصحابه، وخصوصاً الى مجموعة من الضبّاط الذين حرِموا الأقدمية لأسباب سياسية تتعلّق بما شهدته البلاد في 13 تشرين 1989 وتداعياتها، وليس لأسباب مسلكية أو عسكرية. ونفَت الاتهامات بأنّ المرسوم المتصل بتسوية اوضاع هؤلاء شكّلَ خروجاً على الدستور والمادة 54 منه أو ضرباً للطائف والميثاقية».

وقالت: «هناك مغالطات كبيرة تُرتكب بالعودة الى جلسات مجلس النواب التشريعية العام 2012. فاقتراح القانون الذي تقدَّم به العماد عون يومها كان اقتراحاً شاملاً وواسعاً تناوَل الكثير من القضايا التي وجب تصحيحها أو تعديلها، وإنّ قضية هؤلاء الضباط هي جزء بسيط ممّا شمله الاقتراح في حينه وأحيلَ الى اللجان النيابية التي لم تتناوله مرّة منذ ذلك التاريخ».

وأكّدت «أنّ بعبدا لا تبحث عن مشكلة، وأنّ المرسوم لم يشكّل سابقةً، بل هو نسخة طبق الأصل عن مراسيم عدة حملت تواقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الدفاع فقط بعد الطائف، ولا سيّما أيام الرئيس الراحل الياس الهراوي ومِن بعده ايام الرئيس العماد إميل لحود.

وكذلك عقب أحداث مخيّم نهر البارد بتوقيع من الرئيس العماد ميشال سليمان وصولاً إلى المراسيم التي وقّعها الرئيس عون ومعه الرئيس الحريري ووزير الدفاع عقبَ عملية «فجر الجرود» حيث تمّت ترقية 300 ضابط من مختلف الأسلحة التي شاركت في العملية، وصولاً إلى المرسوم الخاص بإعطاء العميد الركن سعدالله محي الدين الحمد أقدمية اربعة أشهر لتعيينه أميناً عاماً للمجلس الأعلى للدفاع بعد ترقيته الى رتبة لواء ركن.

وحول الاستنسابية في توقيع وزير المال مرسومَ الترقيات العادية السنوية لفَتت هذه الدوائر»الى أنّ استثناء 3 أو 4 ضبّاط من الترقية كما أراد وزير المال امرٌ غير مقبول بحجّة انّها مخالفة للدستور والقانون لكونِهم من ضبّاط دورة العام 94، علماً انّ هذه الترقية من رتبة مقدّم الى عقيد ومنه الى عميد هي استنسابية، وإذا استحقّ أحدهم هذه الترقية باقتراح من قيادة الجيش فيكون ذلك عن جدارة».

وحولَ الاتّهام بأنّ وراء المرسوم خلفيات مذهبية لكونهم أكثرية مسيحية، ذكّرَت الدوائر المعترضين بأنّ الرئيس عون وقّع قبل مدة مرسوماً منح بموجبه الترقية لمجموعة من ضبّاط الصف ضمّت 63 مسلِماً و16 مسيحياً، وهو أمرٌ ينفي هذه التهمة المذهبية».

خليل

وقرّر بري الاكتفاء بما قاله قبل يومين، مع إلقاء كرةِ المعالجة والتراجع «عن هذا الخطأ» في ملعب عون، فيما رسَم وزير المال صورةً غامضة حول مستقبل هذه الأزمة التي لا ينفي صعوبتها وأنّها ما زالت تُراوح في مربّع الخلاف حولها، وقال لـ«الجمهورية»: «لسنا مَن تسبَّب بهذه المشكلة، هناك تجاوُز فاضِح، ومخالفة موصوفة لا نستطيع السكوتَ عليها أو أن نسمح بتمريرها، والمطلوب تصحيحُها من دون أيّ إبطاء، ولا يمكن القبول بتكريس هذه المخالفة وجعلِها سابقة، والاستناد الى خطأ لارتكاب خطأ أكبر».

وقالت مصادر معنيّة بمرسوم الأقدميات لـ«الجمهورية»: «ما أشار إليه بري قبل يومين حول تجاوزِ توقيع وزير الداخلية على مرسوم الأقدميات رغم وجود ضبّاط من قوى الأمن الداخلي ضمن «دورة عون» التي وضِع المرسوم لأجلها، حرّكَ اتصالات بين الوزراء المعنيين بهذا الأمر». وكشَفت «عن محاولة لإضافة توقيع وزير الداخلية على المرسوم»، إلّا انّها لم تشِر الى نجاح هذه المحاولة ولا إلى الطرف السياسي الذي سعى الى ذلك.

لا حلول وسطى

وقالت مصادر مواكبة للاشتباك بين الرئاستين لـ«الجمهورية»: «ما هو سائد بين بعبدا وعين التينة يبدو عميقاً جداً، ولعلّها الأزمة الأكثر عمقاً وصعوبة بين رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي منذ الافتراق الذي جرى بينهما حول الانتخابات الرئاسية ووقوف بري في موقع المعارض لانتخاب عون رئيساً للجمهورية».

وأشارت المصادر «إلى عدم توفّرِ أيّ صيغة لحلول وسطى حول مرسوم الأقدميات يمكن ان ترضيَ الرئيسين معاً، لأنّ الحالة الراهنة هي إمّا أبيض وأمّا أسود، أي إمّا وجود أو سرَيان مرسوم الاقدميات وهنا يقف رئيس الجمهورية، وإمّا إلغاء هذا المرسوم لتجاوزِه توقيعَ وزير المال ولِما يعتريه من خلل ميثاقي وفي التوازن وهنا يقف رئيس المجلس».

ولاحظت المصادر «أنّ الأجواء المشحونة آخذةٌ في التفاقم أكثر لدى طرفَي الاشتباك الرئاسي، وما يقال في المجالس الرئاسية من مآخذ واتّهامات ينذِر باستعدادات لجولات جديدة من الاشتباك على حلبة مرسومِ الاقدميات تضاف اليها حلبة مرسوم الترقيات». إلّا أنّ المصادر تحدّثت «عن اتصالات غير معلنة يقوم بها «حزب الله» مع حليفيه، إلّا أنّها ليست بالمستوى المطلوب امام أزمةٍ عميقة الى هذا الحد».

هذا مع الإشارة الى أنّ مصادر قريبة من الحزب أكّدت «أنّ قراراً حزبياً داخلياً تمّ تعميمه بعدمِ مقاربة مرسوم الاقدميات لا من قريب أو بعيد في الاعلام، إلّا أنّ موقفه من هذه المسألة الى جانب موقف بري.

الحريري

وعلى رغم احتدام المشكلة على خط الرئاستين الأولى والثانية، ظلّ الحريري معتصماً بالصمت، متريثاً في نشرِ مرسوم الأقدميات في الجريدة الرسمية، مبدياً، كما أكّد قريبون منه لـ«الجمهورية»، الحرصَ على بقاء التواصل قائماً بينه وبين رئيس المجلس».

وكان لافتاً ما قاله الحريري، في كلمةٍ ألقاها خلال إحياء الذكرى الرابعة لاستشهاد الوزير محمد شطح، ولا سيّما لجهة إشارته للمرّة الأولى إلى ما جرى معه في السعودية، وحديثِه عن «أزمة من أمرِّ الأزمات في حياته السياسية»، وكذلك لجهة تأكيدِه على الحوار وتطمينِه بأنّ الطائف بألف خير، وهو كلام يأتي غداة كلام بري وحديثِه عن مسِّ مرسوم الأقدميات بالطائف.

(الجمهورية)