جريدة الكترونية تأسست
1/1/2015
الرئيسية / أبرز الأخبار / أزمة المولدات في طرابلس: استغلال ممنهج وفشل الدولة في إدارة الطاقة
images (1)

أزمة المولدات في طرابلس: استغلال ممنهج وفشل الدولة في إدارة الطاقة

خاص Lebanon On Time _ خالد أبو شام

تُعد أزمة المولدات الكهربائية في طرابلس ولبنان عامة انعكاسًا واضحًا للأزمات المركبة التي تعصف بالبلاد. لعقود طويلة، أخفقت الحكومات المتعاقبة في توفير الكهرباء بشكل كافٍ، مما أدى إلى اعتماد شبه كامل على المولدات الخاصة. لكن بدلًا من أن تكون هذه المولدات حلاً مؤقتًا، أصبحت عبئًا ثقيلًا وأداة استغلال تزيد من معاناة المواطنين، خاصة في مدينة مثل طرابلس التي تعاني من الفقر والبطالة.

أزمة الكهرباء في لبنان تعود إلى سنوات طويلة من الفساد وسوء الإدارة في قطاع الطاقة. على الرغم من الميزانيات الضخمة التي صُرفت على مؤسسة كهرباء لبنان، فشلت الدولة في إنشاء بنية تحتية كافية لتلبية الطلب المتزايد. اعتمدت الحكومات على حلول مؤقتة كشراء الطاقة من الخارج، ما أدى إلى تفاقم العجز المالي وإهمال تطوير الشبكات المحلية. في ظل هذا الوضع، ظهرت “مافيا المولدات”، التي حولت هذه المولدات إلى قطاع شبه موازي يفتقر إلى الرقابة، ويُديره أفراد وشركات تسعى لتحقيق أرباح طائلة.

في طرابلس، تتفاقم الأزمة بشكل خاص، حيث يعاني المواطنون من استغلال أصحاب المولدات. التسعيرات غالبًا ما تكون تعسفية وغير ملتزمة بتوجيهات وزارة الطاقة، بحجة ارتفاع تكاليف التشغيل وصعوبة تأمين الوقود. يرفض العديد من أصحاب المولدات تركيب العدادات التي تُتيح تسعير الاستهلاك بشكل عادل، مفضلين فرض أسعار مقطوعة مرتفعة. إضافةً إلى ذلك، يُمارس بعضهم ضغوطًا لمنع دخول أي بدائل أو منافسين، مما يجعل السكان أسرى لهذا النظام الاحتكاري.

تسببت هذه الأزمة في تداعيات اجتماعية خطيرة، حيث تُثقل الفواتير كاهل العائلات وتؤدي إلى زيادة الفقر وتقليص الإنفاق على الضروريات. يتزايد الإحباط الشعبي نتيجة غياب الحلول، مما يجعل طرابلس بيئة مهيأة لاضطرابات اجتماعية. إلى جانب ذلك، تُساهم المولدات في تلوث البيئة وتدهور جودة الحياة بسبب الانبعاثات الضارة والضوضاء.

رغم تصريحات المسؤولين عن ضرورة ضبط القطاع، إلا أن التنفيذ الفعلي ما زال ضعيفًا. ضعف الأجهزة الرقابية يجعل فرض القانون ومحاسبة المخالفين أمرًا صعبًا، وغالبًا ما تبقى الإجراءات الحكومية مجرد ردود فعل مؤقتة.

لحل هذه الأزمة، ينبغي اعتماد استراتيجية شاملة تجمع بين التدخلات العاجلة والخطط طويلة المدى. من الضروري فرض العدادات الإلزامية على أصحاب المولدات، وتشديد العقوبات على المخالفين. كما يجب الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة كالشمسية والمتجددة لتخفيف الاعتماد على المولدات. يمكن أيضًا إنشاء تعاونيات محلية تُدار بشفافية لتشغيل مولدات بأسعار معقولة تحت إشراف مجتمعي. على المدى البعيد، لا يمكن تجاوز إصلاح قطاع الكهرباء الوطني من خلال تحسين الإنتاج وتحديث الشبكات.

أزمة المولدات في طرابلس ليست مجرد مشكلة تقنية، بل هي انعكاس لفشل عميق في إدارة الموارد العامة. إن استمرار هذه الفوضى يُنذر بمزيد من الإفقار للمواطنين وتصاعد التوترات الاجتماعية، مما يضع على عاتق الدولة مسؤولية البحث عن حلول مستدامة.