الشيء الثابت ان التسوية السياسية في البلاد ما تزال موضع احترام من الأطراف الرئيسية المتمثلة بالحكومة وفي مقدمها الرئيس سعد الحريري، الذي توجه ليل أمس إلى باريس، في زيارة خاصة لقضاء «الويك اند» مع عائلته، على ان يكون مطلع الأسبوع المقبل في بيروت، بعد ان يكون عاد الرئيس ميشال عون من زيارة إلى ايطاليا، يلتقي خلالها الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلار ورئيس الحكومة باولو جنتليوني، ويفتتح «مؤتمر حوارات المتوسط 2017 MED» الذي ينعقد في روما وتشارك فيه شخصيات اقتصادية وسياسية وفكرية عالمية، ومن ضفتي المتوسط، وعنوانه البحث في كيفية تخطي النزاعات التي جعلت المنطقة منطقة فوضى بدل ان تكون واحة سلام وحوار.
والرئيس الحريري، الذي فاجأ الحضور في مسجد محمّد الأمين في وسط بيروت، حيث كان يقام احتفال في ذكرى المولد النبوي الشريف، نقل عنه زوّار بيت الوسط ان المناخ إيجابي في البلاد، مكرراً تفاؤله بقرب الفرج الأسبوع المقبل.
وفي سياق الموقف الإسلامي، عشية عقد جلسة مجلس الوزراء، حيث سيخرج ملحق يتعلق «بالنأي عن النفس» بعد التأكيد على البيان الوزاري للحكومة وخطاب القسم، حذّر المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان من التدخل في قضايا اشقائنا العرب، كاشفاً اننا «مررنا بأزمة وطنية مقلقة بعد استقالة الرئيس الحريري، ونحن معه في ما يحاوله من احداث توازن في السياسات الوطنية».
وقال المفتي في كلمة وجهها لمناسبة المولد النبوي الشريف، اننا بحاجة ماسة إلى الالتزام الكامل بـ«سياسة النأي بالنفس» حرصاً على انفسنا ووطننا..
ومع ان الرئيس عون جزم في حوار اجرته معه صحيفة «لاستامبا» الإيطالية ان «الرئيس الحريري مستمر في منصبه وأن أزمة الاستقالة أصبحت وراءنا»، فإن رئيس حزب الكتائب سامي الجميل قال أمس ان حزبه لا يؤيد الاستمرار بالتسوية السياسية الراهنة. في حين كشف النائب في كتلة «القوات اللبنانية» فادي كرم عن اتجاه لدى وزراء «القوات» بالاستقالة في ما إذا لم يكن بيان النأي بالنفس، لا يستوفي متطلبات موقف حزب «القوات» من سلاح حزب الله.
مواقف إيجابية رئاسية
باستثناء المواقف الرئاسية المتفائلة باقتراب حل الأزمة الحكومية، والتي نشأت عن استقالة الرئيس الحريري، ومن ثم إعلان تريثه افساحاً في المجال امام المشاورات التي اجريت لاحقاً في بعبدا، لم يطرأ أي جديد، على صعيد الاتصالات التي يفترض ان تستكمل لترتيب الصيغة المناسبة لإخراج الحل المنتظر، وأن كانت كل المعلومات، تؤكد انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في الأسبوع المقبل، يتوقع ان يصدر عنها بيان يتحدث عن الالتزام بمبدأ النأي بالنفس، تليه بيانات منفصلة قد تصدر من الكتل النيابية والأحزاب السياسية تؤكد على المعنى نفسه، مثلما ألمحت مصادر عين التينة، والت ياكدت ان البيان المتوقع صدوره عن مجلس الوزراء، لن يكون بمثابة تعديل للبيان الوزاري لحكومة «استعادة الثقة» والتي أكدت على أساسه الثقة، لأن التعديل في هذه الحالة يسلتزم ثقة جديدة، وهو امر مستبعد.
وفي السياق، توقعت مصادر نيابية بارزة في الحزب التقدمي الاشتراكي، التقت إلرئيس الحريري أمس لـ«اللواء» ان تفتح صفحة جديدة من العمل الجدي سيشهدها البلد من خلال تفعيل عمل الحكومة، بعد التوافق السياسي المتوقع ان تظهر نتائجه في القريب العاجل.
وكشفت عن اتصالات ولقاءات ستتكثف في الأيام القليلة المقبلة، وبعد عودة الرئيس ميشال عون من إيطاليا من أجل بلورة الصيغة النهائية لصورة الحل المنتظر، مشيرة إلى ان ما تمّ بحثه من تفاصيل للصياغات المتعددة المقترحة خلال لقاء الرؤساء الثلاثة مؤخراً بقيت ملكهم شخصياً ولم يتم إطلاع أحد على تفاصيلها.
وكان الرئيس عون، الذي بدأ أمس زيارة رسمية إلى إيطاليا، يلتقي خلالها الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، ورئيس الحكومة الإيطالية باولو جنتيلوني، على ان يفتتح اليوم مؤتمر «حوارات المتوسط 2017 الذي ينعقد على مدى يومين في العاصمة الإيطالية في دورته الثالثة ويستضيف شخصيات سياسية واقتصادية وفكرية عالمية ومن ضفتي المتوسط، قد اكد في حديث نشرته له صحيفة «لا ستامبا» الإيطالية، ان «الازمة الأخيرة باتت وراءنا»، وأن «الرئيس الحريري سيواصل مسيرة قيادة لبنان»، في إشارة إلى إمكان عودته عن استقالته.
وأشار رئيس الجمهورية، ردا على سؤال حول ما آلت اليه الازمة الاخيرة، الى ان هذه الازمة سوف نجد لها حلاً نهائيا في بضعة ايام، موضحا ان كافة الافرقاء اللبنانيين منحوه ملء ثقتهم لاجل ذلك، مقدرا وقوف العالم بأجمعه الى جانب لبنان، وكاشفا ان الدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن وكذلك ايطاليا والمانيا والاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية والامين العام للامم المتحدة تضامنوا بشكل كامل مع لبنان في هذا الامر.
وسئل الرئيس عون ما اذا كان الرئيس الحريري سيبقى رئيسا للحكومة؟
فأجاب: «بكل تأكيد. لقد انتهينا للتو من الاستشارات التي قمنا بها مع مختلف القوى السياسية داخل وخارج الحكومة وهناك ملء الثقة به».
ورداً على سؤال آخر حول الموقف من «حزب الله» وانخراطه في ازمات المنطقة في الوقت الذي يتمسك فيه الرئيس الحريري بحياد لبنان، اجاب عون: ان حزب الله حارب ارهابيي «داعش» في لبنان وخارجه، وعندما تنتهي الحرب ضد الارهاب، سيعود مقاتلوه الى البلاد.
وأشار إلى ان «حزب الله» يُشكّل قوة مقاومة لبنانية نشأت بوجه الاعتداءات الإسرائيلية، وهي «مقاومة شعبية» شبيهة بالمقاومة التي قادها هو ضد ما وصفه «بالاحتلال السوري»، موضحا ان لبنان لم يبدأ الحرب ضد أحد، وأن اللبنانيين يعتبرون حزب الله قوة دفاع وليس حزباً ارهابياً».
وتحدث رئيس الجمهورية عن مستقبل الوضع في سوريا، فاشار الى انها تتجه نحو اتفاق سياسي وان تغييرا سيحدث في النظام ولكن ليس للاشخاص الذين ربحوا الحرب. وكشف انه «سيحصل تطور في التركيبة السياسية للبلاد باتجاه اكثر ديموقراطية وفي خدمة عيش مشترك افضل بين مختلف الطوائف».
ومن جهته، اعرب الرئيس نبيه برّي عن ارتياحه لمسار الوضع منذ بدء الأزمة الحكومية الأخيرة، معتبرا ان الإجماع اللبناني الذي تجلى بأفضل حالاته في مواجهة هذه الأزمة، شكل ارتكازاً للاجماع الدولي على دعم لبنان واستقراره.
وجدّد خلال لقاء الأربعاء النيابي أمس ان الإنتخابات النيابية ستُجرى في موعدها، مشيراً الى ان مشاركة الإغتراب اللبناني في هذه الانتخابات خطوة هامّة تندرج في اطار ما اكدنا عليه دائماً بأن المغتربين هم جزء عزيز لا يتجزأ من الوطن.
وتطرق الرئيس بري الى عمل المجلس النيابي مشيراً الى اهمية القوانين المدرجة على جدول اعمال جلسة اللجان المشتركة المقبلة، وقال «عندما تتوافر مشاريع واقتراحات القوانين المنجزة سأدعو الى جلسة تشريعية عامة».
اما الرئيس الحريري، الذي التقى أمس في «بيت الوسط» السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد، وشارك عصرا في احتفال مديرية الأوقاف الإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسجد محمّد الأمين، وبمشاركة المفتي دريان وشخصيات سياسية ونيابية ودينية، فقد لفت من جانبه إلى ان الأمور إيجابية، وإذا استمرت هذه الإيجابية، فإننا، ان شاء الله، سنبشر اللبنانيين في الأسبوع المقبل مع الرئيسين عون وبري بالرجوع عن الاستقالة».
وحول إمكانية اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع المقبل، قال الرئيس الحريري: «سنرى كيف سيكون مسار الأمور، لكنها إيجابية ان شاء الله».
وتوجه الحريري إلى اللبنانيين بالمعايدة لمناسبة عيد المولد النبوي، سائلا الله سبحانه وتعالى ان يعود على لبنان بمزيد من الخير والاستقرار، وأن تشمل بفضائلها العالم العربي، وقد تخلص من الإرهاب والساعين إلى تخريب امنه، وسلامة مجتمعاته».
عناصر ضغط
وفي تقدير مصادر وزارية من فريق الرئيس الحريري، انه ما كان ممكنا إيجاد الحل سريعا لازمة الاستقالة وغيابه عن لبنان، لولا تظافر ثلاثة عناصر ضغط محلية وخارجية، في مقدمها الموقف اللبناني الرسمي والسياسي، الذي تحدث عنه الرئيس برّي، أمس، والذي صار معروفا، وشكل التفافا بعدم المس باستقرار لبنان وأمنه، كان بدافع حماية النفط والثروة النفطية في المياه الإقليمية اللبنانية، فيما كان الضغط الأوروبي للحيلولة دون تدفق النازحين السوريين إلى أوروبا في حالة اضطراب الوضع الأمني في لبنان.
يضاف إلى كل ذلك، إصرار الرئيس الحريري على معالجة أسباب استقالته، والتشدد في الالتزام بما طلبه للعودة عنها، وهو المطلب الذي دفع الرئيس عون إلى اجراء مشاورات مع القوى السياسية كافة للاتفاق على الصيغة المناسبة للحل.
وبحسب هذه المصادر، فإن كل هذا الجهد المحلي والخارجي أثمر قراراً بعودة الحريري عن استقالته وإعادة إحياء عمل المؤسسات الدستورية، وأول الغيث.
جلسة مجلس الوزراء المرتقبة الأسبوع المقبل، ودعوة الرئيس برّي اللجان المشتركة لمناقشة مشاريع واقتراحات القوانين الخمسة المتعلقة باستخراج النفط والغاز وإدارة القطاع، وهو ما اعتبرته المصادر الوزارية عودة لممارسة المجلس دوره التشريعي في قضايا استراتيجية كبرى كالنفط، حتى لا تتفرد الحكومة والوزير المعني به، وبما يؤدي إلى إثارة المشكلات والخلافات حولها.
(اللواء)