طَوَتْ بيروت سريعاً صفحة القمة التنموية العربية وعاد المشهد اللبناني إلى «الانتظام» تحت سقف مأزق تشكيل الحكومة والصراع المتمادي على تخومه والذي لم يعد خافياً أنه يدور على «رقعة شطرنج» متداخلة محلية وإقليمية ودولية «مدجّجة بالأفخاخ».
وفيما استعادتْ عمليةُ تأليفِ الحكومة ديناميّتها مع مساعٍ متجدّدة لكسْر الحلقة المقفلة وسط محاذرةِ «الانجراف» وراء مناخاتِ تفاؤلٍ شاعت أمس بإمكان بلوغ حلول خلال «أسبوع أو أقلّ» وذلك قياساً إلى تجارب سابقة، توقفتْ أوساطٌ سياسية عند الحركة الأميركية المتواترة باتجاه لبنان في غمرة استكمال واشنطن مساعيها لبلْورة استراتيجية لمواجهة أنشطة إيران في المنطقة وأذرعها وفي مقدّمها «حزب الله»، وهو ما سترتسم ملامحه بوضوح في مؤتمر بولندا الشهر المقبل الذي مهّدت له إشاراتٌ بالغة الدلالات شكّلها إطلاق إسرائيل «المواجهة المفتوحة» مع طهران في سورية.
فبعد أسبوعٍ من محادثاتٍ «بلا قفازات» أجراها وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل في بيروت وحدّد فيها بلغة حازمة أهداف بلاده لجهة التصدي لإيران و«حزب الله»، حطّ قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل في العاصمة اللبنانية حيث التقى كبار المسؤولين.
ورغم وضْع زيارة الجنرال الأميركي في سياقٍ «وداعي» مع قرْب إحالته على التقاعد، كما أورد المكتب الإعلامي للرئاسة اللبنانية، فإن ذلك لم يقلل من أهمية محادثاته التي جاءت على وقع التحوّلات الكبرى في المواجهة مع إيران والمتغيرات في الميدان السوري والخشية من جرّ لبنان الى «خط النار» انطلاقاً من «الخط الأزرق» (الحدود الجنوبية مع إسرائيل والأنفاق العابرة للحدود) الذي شكّل محور لقاء فوتيل مع قائد «اليونيفيل» الجنرال ستيفانو ديل كول حيث جرى البحث في «دور هذه القوة لجهة إنجاز تفويضها والحفاظ على السلام والأمن على طول الخط الأزرق، بالإضافة الى التحديات الأخيرة للحفاظ على القرار 1701».
واذ التقى فوتيل كلاً من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وقيادة الجيش اللبناني، نقل القصر الجمهوري عن الجنرال الأميركي تنويهه (خلال اللقاء مع عون) «بالمستوى المتقدّم الذي وصل إليه الجيش اللبناني لا سيما بعد تعزيز قدراته»، مؤكداً «الحرص على استمرار هذا التعاون ليتمكّن الجيش من أداء دوره بفعالية ونجاح».
من جهته، جدد عون «تَمَسُّك لبنان بتطبيق القرار 1701، والمحافظة على الاستقرار على الحدود رغم الخروق الاسرائيلية المستمرّة».
وفي موازاة ذلك، اتجهت الأنظار إلى معاودة إدارة محركات المساعي لكسْر المأزق الحكومي العالق عند عقدة الثلث المعطّل الذي يتمسّك به فريق عون ويقوم بـ«تدوير» كل الصيغ في خدمة الإمساك به، فيما يرفض «حزب الله» التسليم به لما يعنيه من تَحَكُّم بمفاصل مهمة في لعبة السلطة، وهو «يختبئ» في موقفه خلف عنوان الإصرار على تمثيل النواب السنّة الموالين له بوزير لا يكون جزءاً من التكتل المحسوب على رئيس الجمهورية.
وفي هذا السياق، كانت بازرة أمس زيارة الحريري لبري وذلك غداة التسريبات عن أن الرئيس المكلف وافق على صيغةٍ حَمَلها اليه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل بتوسيع الحكومة من 30 الى 32 وزيراً بحيث يضاف وزير سني (بدل العلوي) وآخر سرياني (مسيحي) بما يجعل الوزراء السنّة في الحكومة 7 مقابل 6 للشيعة، وعلى قاعدة ان يذهب الوزير المسيحي الإضافي الى حصة عون ويحتفظ الحريري بحصته (5 سنّة ووزير مسيحي) ويتمثّل السنّة الموالين لـ«حزب الله» بالمقعد السني السابع.
ورغم أن مصادر أكدت ان الحريري رفض هذه الصيغة لاعتراضه على مبدأ الـ32 لعدم رغبته في محاولة فرْض أعراف جديدة في التأليف، فإن بري و«حزب الله» سارعا فور الترويج لموافقة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف على حكومة الـ32 بنسخة باسيل (7 سنّة) الى «قصْفها» باعتبار أنها «تضرب الميثاقية وتخلّ بالتوازن» (المذهبي).
وفيما لم يتحدّث الحريري بعد لقاء بري نُقل عن الأخير «ان الجو ناشط والرئيس المكلف في صدد تكثيف المساعي ويأمل انه خلال أسبوع أو أقل ترى الحكومة العتيدة النور».
الراي