بدأ دخان التأليف يميل جدياً الى البياض، هذا ما يستخلص من أجواء الاتصالات الجارية على الخط الحكومي، على أن تكتمل الصورة في الساعات المقبلة، بحيث اذا ما استمر مناخ التفاؤل ثابتاً على هذا المنحى، تبدأ مرحلة إسقاط الأسماء على الوزارات، لِيَلي ذلك تصاعد الدخان الابيض إيذاناً بولادة الحكومة يوم غد. إلّا انّ بعض زوايا الاتصالات الجارية ما زالت تُبدي الخشية من شياطين اللحظة الأخيرة، وتؤكد أنّ الحكومة دخلت في مخاض جديد. في غضون ذلك قال البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي المشارك في أعمال سينودس الأساقفة في الفاتيكان «إن لبنان يتميّز منذ نشأته، عن بلدان المنطقة، بأنّ الولاء له قائم على مبدأ المواطنة. لكننا نشهد اليوم انحرافاً نحو الولاء الى الدين والطائفة والمذهب والحزب و»الزعيم» على حساب الوطن. هكذا ظهر في السنتين ونصف السنة من الفراغ الرئاسي، وحالياً من عدم تأليف الحكومة منذ خمسة أشهر، والبلاد على شفير الهاوية الإقتصادية والمعيشية والمالية والاجتماعية ونزيف الهجرة مميت، وتعاظم الدين العام مخيف». وينتظر ان يختتم السينودس أعماله غداً بقداس احتفالي يترأسه البابا فرنسيس في ساحة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان.
حراك الساعات الماضية كان مكثفاً؛ المقرّات الرئاسية بَدت مستنفرة بكل طاقاتها، والسقف الذي تتحرّك تحته المشاورات المعلنة أو تلك التي تجري داخل الغرف، له عنوان وحيد هو حسم الاستحقاق الحكومي قبل دخول الذكرى الثانية لانتخاب الرئيس ميشال عون. ولم يعد هناك ما يبرّر التأخير والغرق في المراوحة وتضييع المزيد من الوقت، خصوصاً انّ التحديات والاستحقاقات الداهمة تطرق الباب اللبناني من كل الاتجاهات.
عون: 48 ساعة
واذا كانت أجواء القصر الجمهوري تتحدث عن منسوب عال من التفاؤل بقرب تَسلّم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تشكيلة الحكومة الجديدة من الرئيس المكلف سعد الحريري خلال الساعات المقبلة، وهو أمر لمسه زوّار رئيس الجمهورية أمس، وتحديداً الوفد الالماني التي زاره أمس وتيقّنَ من أنّ لديه أجواء تفاؤلية مشجّعة بأنّ الحكومة ستولد خلال 48 ساعة.
الّا أنها في الوقت نفسه تترقّب بحذر نتائج الجهود التي يبذلها الرئيس المكلف لتذليل ما تبقّى من عقد في آخر الطريق. وبحسب معلومات «الجمهورية» فإنّ نقاش الساعات الاخيرة دار حول نقاط التعقيد الاساسية، وفي مقدمها نوعية تمثيل «القوات اللبنانية»، وسط تأكيد رئاسي بحسم حقيبة العدل من حصة رئيس الجمهورية، وعدم القبول بإسناد 4 حقائب لـ«القوات»، والاصرار على 3 حقائب الى جانب نائب رئيس الحكومة وبلا حقيبة. وبالتالي، لم يدخل هذا النقاش الى مدار الحلحلة، بحيث لم يعثر بعد على حقيبة موازية للعدل تقبل بها «القوات».
مقايضة
وتفيد المعلومات بأنّ محاولات صعبة يقوم بها الرئيس المكلف لتدوير زوايا هذه العقدة، عبر اعتماد صيغة المقابلة وتبادل حقائب بين بعض القوى السياسية، وهو أمر بَدا في غاية الصعوبة خصوصاً انّ الحقائب الاساسية، والتي تعتبر مهمة، باتت محسومة للعديد من القوى، وبالتالي هي متمسّكة بها، فلا «التيار الوطني الحر» في وارد التنازل عن اي حقيبة جرى تثبيتها له، وتحديداً وزارة الطاقة التي لم تخف «القوات اللبنانية» انّ عينها عليها، وكذلك الامر بالنسبة الى الثنائي الشيعي الذي لم تسند له سوى حقيبتين أساسيتين هما المال والصحة، وكان صَلباً في رفض انتزاع حقيبة الصحة منه، على رغم كل ما قيل عن تحفظات دولية، وتحديداً أميركية، على جعل حقيبة الصحة من حصة «حزب الله». أما سائر حقائب الثنائي فهي أقرب الى الحقائب الثانوية، ومع ذلك رَضي بها من باب تسريع التأليف.
وفي هذا السياق، فشلت فكرة أن يتخلى «الحزب التقدمي الاشتراكي» عن حقيبة التربية مقابل حصوله على حقيبة أخرى، تردّد أنها العمل، والرفض المتجدّد لهذا الأمر أعلنه الوزير السابق غازي العريضي من عين التينة، بقوله: لا إمكانية للتخلّي عن وزارة التربية، بحيث لو حصل ذلك لا يبقى شيء للطائفة الدرزية. وزارة التربية ثابتة، ووليد جنبلاط قدّم كل التسهيلات». والفشل نفسه تَبدّى في محاولة انتزاع حقيبة الاشغال من تيار «المردة»، مع إصرار التيار عليها، مدعوماً من قبل الحلفاء وتحديداً «حزب الله» ورئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما الحديث داخل مطبخ التأليف يدور حول مخرج ما زال قيد الدرس، ويقوم على مقايضة قد يبادر إليها الرئيس المكلف لواحدة من الحقائب المسندة الى تيار «المستقبل» لصالح «القوات» تعتبر بديلة لحقيبة العدل أو موازية لها.
سنّة «8 آذار»
وعلى الرغم من جو التفاؤل المتزايد، لم تبرز بالأمس أي إشارة حول تذليل عقدة تمثيل سنّة 8 آذار، وبحسب مصادر واسعة الاطلاع انّ الامور لم تحسم بعد في هذا الجانب، مشيرة الى انّ الرئيس المكلف يرفض هذا الامر جملة وتفصيلاً ولا يقبل ابداً بتوزير أحدهم على حساب تيار «المستقبل». كما انه في الوقت ذاته لم يبرز عن رئيس الجمهورية ما يوحي أنه قبل بتوزير أحد «النواب السنّة المستقلين» من ضمن الحصة الرئاسية. وقالت مصادر هؤلاء النواب لـ»الجمهورية» إنهم لم يتلقّوا اي تأكيد حول إشراكهم في الحكومة حتى الآن.
الحريري: لن أنتظر
والواضح في حركة الاتصالات أمس، هو زحمة اللقاءات التي اجراها الرئيس المكلف، الذي أبلغ زواره انّ تشكيلة الحكومة الجديدة باتت في مرحلة وضع اللمسات الاخيرة عليها، وولادتها باتت وشيكة جداً. وهذه الصورة وقف عليها النائب وائل ابو فاعور موفداً رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وكذلك لمسَ هذه الاجواء وزير المال علي حسن خليل، الذي زار الحريري موفداً من بري. فيما كانت حصة «القوات» مدار بحث متجدد مساء أمس في لقاء عقده الحريري مع وزير الاعلام ملحم الرياشي.
وقالت مصادر مواكبة لحركة الاتصالات لـ«الجمهورية»: كل الامكانيات المتوافرة تم استطلاعها من قبل الرئيس المكلف مع الاطراف المعنية، وخصوصاً «القوات اللبنانية»، والتشكيلة تنتظر الافراج عن الأسماء في الساعات المقبلة. البحث حالياً مُنصَبّ على تحديد سلة «القوات» على أساس ٣ حقائب ونائب رئيس الحكومة. والابرز في هذه الحركة انّ الرئيس المكلف أبلغ كل المعنيين بأنه آن أوان تشكيل الحكومة، ولن يدخل في مزيد من التأخير، ولن ينتظر اكثر من ذلك وسيتقدّم بتشكيلته لرئيس الجمهورية في الساعات المقبلة.