خاص Lebanon On Time – جوزاف وهبه
سقط الإتحاد السوفييتي، وسقط معه الفكر الشيوعي الذي ألهم الملايين من الشباب والبشر، وأطلق الصراع التاريخي مع الفكر الرأسمالي الذي استطاع بليبراليّته السياسية والإجتماعية وانفتاحه الإقتصادي أن ينتصر على الفكرة الشيوعية التي تحجّرت في دول وأنظمة مغلقة على نفسها وعلى شعوبها، ما جعل هذه الشعوب تعيش “الحلم الأميركي” إلى أن انهارت الإمبراطورية الإشتراكية وانتهت مفاعيل “عشرة أيّام هزّت العالم” مع مؤسّس الثورة البولشيفية لينين، فانقسم بعدها اليساريون ما بين واهمين باستعادة مجد زائل، وبين باحثين عن خطّ إشتراكي جديد..وبين منكفئين الى البحث عن أسباب الهزيمة في المسار الشيوعي وفي أسرار قوّة الرأسمالية التي قال فيها كارل ماركس “أنّ نهايتها حتميّة، وأنّها إلى زوال حيث تأكل نفسها بنفسها”!
إنتهت الشيوعية، ومعها نضالات الكادحين وعمّال الأرض والبروليتاريا، وبقيت الرأسمالية..يا رفيق ماركس.وهذه هي الحقيقة التي لا يزال يرفض الحزب الشيوعي اللبناني أن يعترف بها أو يقرّ بها، مصرّاً عبر قيادات ما بعد الشهيد المتألّق جورج حاوي أن يتعاطى مع تحوّلات العالم بلغة خشبيّة صدئة وبتحالفات باهتة (بل مشبوهة) وصلت به الى حدّ الإصطفاف السياسي مع مجرم العصر/ النظام السوري بقيادة بشار الأسد، ومع حزب الله ذي اللون الفاقع للإصطفاف الطائفي ضمن المنظومة اللبنانية المتخلّفة.
الحزب الشيوعي اللبناني بقيادة خالد حدادة ومن ثمّ حنّا غريب رضي بالتصالح (والتبعية) مع عدوّ الشيوعيين الأول في لبنان، والذي قام تباعاً بتصفية قادة “جمّول” (جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية) التي أطلق شرارتها في وجه العدو الإسرائيلي بعد احتلال العاصمة بيروت، كلّ من القائدين محسن ابراهيم (منظمة العمل الشيوعي) وجورج حاوي (الأمين العام للحزب آنذاك).حزب الله، الذي كان يسعى الى امتلاك مفتاح الجنوب والى احتكار الصراع مع العدو الصيوني، وجد طريقه إلى ذلك في العبور فوق دم الشهداء، أمثال مهدي عامل وسهيل طويلة وخليل نعوس وحسين مروّة الذي لم يشفع به مرضه وسنواته التسعون، فما كان من الحزب إلّا أن تعامى عن كلّ هذا القتل تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، والذي بفضله نشأت أعتى الديكتاتوريات في العالم العربي، من العراق الى سوريا وليبيا والسودان وباقي الأنظمة المشابهة!
كريم مروّة لم يرضّ بهذا المصير الشيوعي ولا بهذا المسار الإنحداري.إنكفأ إلى صفاء فكري محاولاً التحديث في الفكر اليساري، تماماً كما حاول الأمين العام للمنظمة محسن ابراهيم الذي أدرك وعورة الدرب الإشتراكي في بلد شديد التعقيد الطوائفي والمناطقي مثل لبنان، فلجأ إلى نوع من الخلوة الطويلة (مع بعض الرفاق) في محاولة لاستنباط وسائل تفكير ونضال جديدين.
كريم مروّة حافظ على دم الرفاق في ذاكرة لم تحاول أن تمحو أو تتجاهل وجه القاتل الذي ليس جزء من حرب أهلية يقتضي تجاوزها ودفنها، وإنّما هو جزء من مشروع يستمدّ ديمومته واستمراريته من آلة قمع تمتدّ من عيون الصبايا في شوارع طهران، إلى رؤوس الأطفال والنساء تحت البراميل المتفجّرة في حمص وحماه ودرعا، إلى الإغتيالات المتسلسلة في الزمن القريب، فوق أرض الجنوب (الشهيد لقمان سليم ) وفي جزين (الشهيد الياس الحصروني) دون أن يكون هناك خطّ فاصل ما بين القتل بالأمس والقتل اليوم، والإستعداد للقتل في المستقبل.
كريم مروّة أصرّ على نقاوة فكره وخياراته.لعلّه الشيوعي الأخير، لعلّه آخر الشيوعيين الأنقياء!